أن يتأخر الزواج
أن يكون الفاصل بين سن بلوغ الشباب «الأولاد» وبين سن زواجهم - على أقل التقادير - خمسة سنوات «15 - 20» ثم ننتظر مجتمعًا سليمًا من الناحية العاطفية والجنسية؛ لهُوَ أمرٌ يدعو للسخرية كما يدعو للأسى.
كلنا يعرف - وسأضطر لتكرار المكرر - كم شبابنا غارقون في الأفلام الإباحية، إذ يوجد في السعودية ما يزيد عن مليون ونصف بحث يوميًا عن مفردات جنسية في محرك البحث Google، و70٪ من المواد المتبادلة بين المراهقين هي مواد إباحية، حسب ما ينقل الدكتور وليد الفتيحي «1».
أرقام ونسب التحرش الجنسي المُعلنة أصبحت مخيفة «2» إضافةً إلى بعض الأخبار الغريبة التي تُنشر بين الفينة والأخرى، هذا إذا تكلمنا عن المعلنة، وما خفي كان أعظم، وعندما نتكلم عن المخفية، فلن ننسى أن نذكر الشذوذ والزنا الذي بالطبع لن توجد إحصائيات واضحة عنه، وكذلك لن ننسى الاستمناء أو العادة السرية التي أصبحت من الوجبات الرئيسية للشباب والتي هي نتيجة تلقائية لتفشي الأفلام الإباحية.
من المهم التنبُّه إلى أن مشاكل تأخر الزواج لا تقتصر على الجانب الجنسي وحسب، بل تمتد كذلك إلى الجانب العاطفي، فظاهرة «المعاكسة» أو «المغازلة» تعكس أزمة عاطفية بامتياز، حيث أصبح الشباب - كما يقول الإعلامي أحمد الشقيري - «لو شاف أي شيء أسود راح يعاكس «يغازل» » «3».
هذه المشاكل وغيرها هي نتائج طبيعية لتلك الفجوة العمرية «الطويلة» ما بين البلوغ والزواج، إذ يظل باب الإشباع السليم للحاجات - العاطفية والجنسية - الضرورية مغلقًا، مما يدفع الشباب إلى إشباعها بالطرق المنحرفة.
صحيحٌ أن تلك المشاكل لا تختص بالعزاب، ولكن طيش العزوبية نفسه يُحدث أمراضًا تبقى حتى بعد الزواج، إذ - مثلًا - يترك الإدمان على الأفلام الإباحية أثرًا «لا يمكن محوُه من أدمغة المصابين» ويُضعِفُ إدراكَهم لعواقب الأفعال، ويقطعُ تعزيزَ الجماعِ للحب والثقة «4»، وكذلك فإن طيشَ العزوبية - وهذه نقطة في غاية الأهمية - يضعف الوازعَ الديني، ولا نريد الإسهاب، فموضوع الآثار الكارثية لطيش العزوبية هو موضوع بحياله.
لا الطبيعةُ تُؤخرُ سنَّ البلوغ إلى ما بعد التخرج من الجامعة، ولا هي تُعفي «الملائكة» الذين يعيشون الرهبانية بين بلوغهم وزواجهم - والذين إن وُجِدوا فهم نادرون - من الآثار النفسية السلبية والخطيرة التي تَحدُثُ جرّاءَ القمعِ والكبت - كما يذكر الشيخ مطهري «5» -، ومن هنا فنحن أمام مشكلة واقعية، يُكلِّفُنا تجاهلُها الكثير.
لا أحد ينكر وجود عقباتٍ في حل مشكلة تأخر سن الزواج، ولكن - كما أن فهمَ السؤالِ نصفُ الإجابة - فإن إدراكَ المشكلةِ نصفُ حلها، فعندما نبدأ التحرك - النظري والعملي - لحل المشكلة؛ سنُدرك تفاهة الكثير مما كنّا نعدُّها عقباتٍ، وسنجد حلولًا للعقباتِ الواقعية، وكما يقول أحمد شوقي «وما نيل المطالب بالتمنيّ، ولكن تؤخذ الدنيا غلابًا».