المثقف ووهم الإنفتاح
تتكرر دعوات المثقفين والمتثيقفين إلى «الإنفتاح الفكري» على الآخر، أي على التيارات الأخرى والأفكار الحديثة ومنها الأفكار الغربية، واستفادة المفيد منها وعدم الاقتصار على التراث الإسلامي.
هذه الدعوات هي دعواتٌ صائبة ومطلوبة بلا شك، ولكن؛ يبدو لي أن الكثير من أولائك الداعين غير ملتفتين إلى أن صفة «الآخر» صفة نسبية! فالحداثة تكون آخرًا بالنسبة للممُترعرِع في وَسط أصولي، ولكنها ليست آخرًا عند من يُصبح ويُمسي على مقولات كانط وأركون ونيتشه وأشباههم.
و «بالنسبة» للكثير من المثقفين الدينيين فإنّ التراث الإسلامي هو الآخر، وعندها ينبغي على المثقف الإنفتاح عليه «بجِد»، وقراءته لنقده لا لانتقاده، أي قراءته بجد لفهمه فهمًا موضوعيًا جادًا - بدون مسبقات متحيزة - لتمييز صحيحه عن خاطئه، والاستفادة من جوانبه المُضيئة وأفكاره الصائبة.
إن كثيرًا من المثقفين وقعوا فيما يُحذِّرون منه، فهم الذين كانوا ينتقدون رجال الدين في قراءتهم الفوقية الاستزلالية الرفضية للمنتجات الحديثة، أصبحوا هما يمارسون نفس الفعل بالنسبة للمنتجات القديمة، فأغفلوا الدقة والشمولية حتى وقعوا في أخطاء جسيمة بل و- كما يقول حيدر حب الله - مضحكة.
إن الواقع مُعقد، ومشاكله كثيرة، فمن كان يريد الإصلاح فليصبر وليُكافح، وإلا فليكفِ الناس شره، وليحفظ وقته وأوقاتهم، وليترك النقد والإصلاح لأهله، والله الموفق.