أترك أثرا ً قبل الغياب والرحيل «2»
المحور الثاني: سُوء الخُلق يُشين المرء:
عن أنس قال: كنت مع النبي ، وعليه برد غليظ الحاشية، فجذبه اعرابي بردائه جذبة شديدة، حتى أثرت حاشية البرد في صفحة عاتقه، ثم قال: يا محمد احمل لي على بعيري هذين من مال الله الذي عندك، فإنك لا تحمل لي من مالك، ولا مال أبيك، فسكت النبي ثم قال: المال مال الله، وأنا عبده. ثم قال: ويقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي؟! قال: لا. قال: لم؟ قال: لأنك لا تكافىء بالسيئة السيئة، فضحك النبي، ثم أم أن يحمل له على بعير شعيراً وعلى الآخر تمراً «1».
فسوء الخلق وهو إنحراف نفساني، يسبب إنقباض الإنسان وغلظته وشراسته، وهو نقيض حسن الخلق، فمن الثابت أن لسوء الخلق أثارا ً سيئة، ونتائج خطيرة، في تشويه المتصف به، ويحط كرامته، مما يجعله عرضة للمقت والازدراء بين الآخرين ونفرتهم منه، وربما تفاقمت أعراضه ومضاعفاته، فيكون حينذاك سبباً لمختلف المآسي والأزمات الجسمية والنفسية المادية والروحية.
وحسبك في خسة هذا الخلق وسوء آثاره، إن الله تعالى خاطب سيد رسله، وخاتم انبيائه ، وهو المثل الاعلى في جميع الفضائل والمكرمات قائلاً: «ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك».
من أجل ذلك فقد تساند العقل والنقل على ذمه والتحذير منه، وإليك طرفا من ذلك: قال النبي : «عليكم بحسن الخلق، فإن حسن الخلق في الجنة لا محالة، وإياكم وسوء الخلق، فإن سوء الخلق في النار لا محالة» «2».
وقال الصادق : «إن شئت أن تكرم فلن، وإن شئت أن تهان فاخشن» «3»، وعن النبي : «أبى الله لصاحب الخلق السيئ بالتوبة، قيل: فكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: لأنه إذا تاب من ذنب وقع في ذنب أعظم منه» «4»، ورد عن الصادق : «أن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل» «5»، وقال : «من ساء خلقه عذب نفسه» «6».
الأخلاق بين الإستقامة والإنحراف: -
كما تمرض الاجساد وتعتورها أعراض المرض من شحوب وهزال وضعف، كذلك تمرض الأخلاق، وتبدو عليها سمات الاعتلال ومضاعفاته، في صور من الهزال الخلقي، والإنهيار النفسي، على إختلاف في أبعاد المرض ودرجات أعراضه الطارئة على الأجسام والأخلاق.
وكما تعالج الأجسام المريضة، وتسترد صحتها ونشاطها، كذلك تعالج الأخلاق المريضة، وتستأنف اعتدالها واستقامتها، متفاوتة في ذلك حسب اعراضها، وطباع ذويها، كالأجسام سواء بسواء.
ولو لم بإمكان معالجة الأخلاق وتقويمها وتطويرها، لحبطت جهود الانبياء في تهذيب الناس، وتوجيههم وجهة الخير والصلاح، وغدا البشر من جراء ذلك كالحيوان وأخس قيمة، وأسوأ حالاً منه، حيث أمكن ترويضه، وتطوير أخلاقه، فالفرس الجموح يغدو بالترويض سلس المقاد، والبهائم الوحشية تعود داجنة أليفة.
فكيف لا يجدي ذلك في تهذيب الانسان، وتقويم أخلاقه وتطويرها، وهو أشرف الخلق، وأسماهم كفاءة وعقلاً.
من أجل ذلك فقد تمرض أخلاق الوادع الخلوق، ويغدو عبوساً شرساً منحرفاً عن مثاليته الخلقية، لحدوث احدى الاسباب التالية:
1 - الوهن والضعف الناجمان عن مرض الإنسان وإعتلال صحته، أو أعراض الكبر والشيخوخة عليه، مما يجعله مرهف الأعصاب عاجزاً عن التصبر.
2 - الهموم: فإنها تذهل اللبيب الخلوق، وتحرفه عن أخلاقه الكريمة، وطبعه الوادع الحسن.
3 - الفقر: فإنه قد يسبب تجهم الفقير وغلظته، انفةً من هوان الفقر والم الحرمان، أو حزنا على زوال نعمته، وفقد غناه.
4 - الغنى: فكثيراً كما يجمح بصاحبه نحو الزهو والتيه والكبر والطغيان، كما قال امير المؤمنين علي :
أحبك قومك حين صرت للغنى وكل غني في العيون جليل
5 - المنصب فقد يحدث تنمراً في الخلق، وتطاولا على الناس، منبعثا عن ضعة النفس وضعفها، أو لؤم الطبع وخسته.
6 - العزلة والانطواء وعدم مخالطة الناس: فإنه قد يسبب شعوراً بالخيبة والهوان، مما يجعل المعزول عبوساً متجهماً.
علاج سوء الخلق:
وحيث كان سوء الخلق من أسوأ الخصال وأخس الصفات، فجدير بمن يرغب في تهذيب نفسه، وتطهير أخلاقه، من هذا الخلق الذميم، أن يتبع النصائح التالية:
1 - أن يتذكر مساوئ سوء الخلق أضراره، وأنه باعث على سخط الله تعالى، وازدراء الناس ونفرتهم.
2 - أن يتذكر من فضائل حُسن الخلق، ومآثره الجليلة، وما ورد في مدحه، والحث عليه، من آثار اهل البيت .
3 - التريض على ضبط الاعصاب، وقمع نزوات الخلق السيئ وبوادره، وذلك بالتريث في كل ما يصدر عنه من قول أو فعل، مستهديا بقول الرسول الاعظم : «أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه».
أما من ساء خلقه بأسباب مرضية جسمية، فعلاجه بالوسائل الطبية، وتقوية الصحة العامة، وتوفير دواعي الراحة والطمأنية، وهدوء الاعصاب.