أترك أثرا ً قبل الغياب والرحيل «11»
المحور الثالث: السجايا الخُلقية للمرء:
الثاني عشر: الإهداء ”الهدية“:
وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ «1»، إهتم دين الإسلام الحنيف بالسلوكيات الأخلاقية بين أفراد المجتمع إهتماماً بالغاً نظراً لما لهذه السلوكيات من أثر طيب وأساسي في تماسك وتلاحُم المجتمعات فيما بينها، ومن المسائل الأساسية التي جاء بها الإسلام هي تقوية الأواصر والعلاقات بين أفراد المجتمع، من الآداب والأخلاق التي أقرّها الإسلام لهذا الغرض هي الهدية لما لها من أثر في تقارب أفراد المجتمع ووحدة صفوفهم، وحث عليها في مختلف المناسبات ولأسباب أوضحها وبين أسبابها الإيجابية في مُناسبات وأحاديث كثيرة.
ولما للهدية آثار عظيمة في حياة المجتمع، فكم من هدية أورثت محبة وموالاة ما كانت توازي بحال قيمتها المادية، وكم من هدية حصنت وشائج الأخوة والقرابة وجددت مياهها الراكدة بين الأقرباء والعلاقات الإجتماعية، وكم من هدية أطفأت نار الحقد والضغينة "الهدية تورث المحبة وتجدد الأخوة وتذهب بالضغينة وترك أثر طبيعي وهو المحبة وإحاطة جدار الأخوة وتطيب النفوس، ولا استنجحت صعاب الأمور ولا استدفعت الشرور بمثل الهدية، والهدية تعبير عن المشاعر الوجدانية بحيث أحياناً لا تستطيع الكلمات إيصالها، قال رسول الله : «تهادوا تحابوا، فإنها تذهب بالضغائن» «2»، وعن أبي جعفر قال: «كان رسول الله يقبل الهدية، ولا يقبل الصدقة، ويقول: تهادوا فإن الهدية تسل السخائم، وتجلي ضغائن العداوة والاحقاد» «3»، وعن أبي عبدالله قال: نعم الشيء الهدية أمام الحاجة، وقال: تهادوا تحابوا، فإن الهدية تذهب بالضغائن» «4».
وللهدية والإهداء في الإسلام آداب ومُستحبات أشار إليها المشرع الإسلامي وحث عليها ومنها:
1 - قبول الهدية مهما كانت بسيطة، قال رسول الله «من تَكرُمة الرجُل لأخيه المسلم أن يقبل تُحفَتهُ، يُتحفهُ بما عنده، ولا يتكلّف لهُ شيئاً» «5»، عن جعفر بن محمد، عن آبائه في وصية النبي لعلي قال: «يا علي لو اُهدي إليّ كراع لقبلت، ولو دعيت إلى ذراع لاجبت» «6».
2 - عدم إعادة الهدية مهما كانت الأسباب، لأن في ذلك إهانة وتوهين وهو عكس الأهداف المرجوة من الهدية، قال رسول الله : «العائد في هبته كالعائد في قيئه» «7».
3 - ظروف الهدية من حيث توقيت، فأنت عندما تهدي هدية بسيطة في مُناسبة مميزة كعيد الفطر والحج والغدير والجمعه... إلخ، فإن أثرها سيكون أبلغ من باقي الأيام حتى لو كانت غالية الثمن.
4 - نوع الهدية، إذ أن من الضروري أن تتحرى نوع الهدية التي قد يحتاجها المهدى إليه، فلا يصح أن تكرر هدية سبق أن أهدى مثلها شخص قبلك، كما لا يصح أن تهدي إليه هدية لا يستفيد منها في شيء، بل ربما تكون هديتك له سبباً في إحراجه والإثقال عليه، فأنت عندما تريد مثلاً إختيار هدية لصديقك المتزوج عليك أن تتحرى وضعه وإحتياجاته من أثاث أو ملابس قد يحتاجها بعد الزواج، وهكذا..، وقال أمير المؤمنين : لأن أهدي لأخي المسلم هدية تنفعه أحب الي من أن أتصدق بمثلها» «8».
5 - الإهتمام بإهداء الأقرب فالأقرب وبالأخص الوالدين لأن في ذلك برا ً لهما وعرفاناً بحقهما على الأبناء وتأصيل لخلق البر والإحسان لهما، كما أن الإهداء للأقرباء فيه صلة رحم واضحة وأكيدة.
إن الإهتمام بثقافة الإهداء هي ثقافة إسلامية حث وأكّد عليها نبينا الأكرم وأهل بيته قبل أي حضارة وثقافة، وها نحن نعيش أجواء العيد وأيامه فلنتخلق بأخلاق الله عزوجل وبإحدى سجاياه وهي الإهداء «الهدية/ الجوائز»، عن الإمام الباقر عن أبيه أنّه قال: «إذا كان أوّل يوم من شوّال نادى مناد أيّها المؤمنون أغدوا إلى جوائزكم. ثمّ قال: يا جابر جوائز الله ليست كجوائز هؤلاء الملوك. ثم قال: هو يوم الجوائز «9».