أترك أثرا ً قبل الغياب والرحيل «8»

المحور الثالث: السجايا الخُلقية للمرء:

تاسعا ً: حُسن المقال:

إن المشاكل الاجتماعية، والأزمات المعكرة لصفو المجتمع، في الأغلب منشأها بوادر اللسان، وتبادل المهاترات الباعثة على توتر العلائق الإجتماعية، وإثارة الضغائن والأحقاد بين أفراد المجتمع، من أجل ذلك كان صون اللسان عن تلك القوارص والمباذل، وتعويده على الكلم الطيب، والحديث المهذب النبيل، ضرورة حازمة يفرضها أدب الكلام وتقتضيها مصلحة الفرد والمجتمع.

فطيب الحديث، وحسن المقال، من سمات النبل والكمال، ودواعي التقدير والإعزاز، وعوامل الظفر والنجاح.

وقد دعت الشريعة الإسلامية إلى التحلي بأدب الحديث، وطيب القول، بصنوف الآيات والأحاديث المتواترة، وركزت على ذلك تركيزاً متواصلاً إشاعة للسلام الاجتماعي، وتعزيزاً لأواصر المجتمع.

قال تعالى: «وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا» «الإسراء /آية 53»، وقال سبحانه: «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً» «البقرة /آية 83».

وقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا» «الأحزاب/آية 70 - 71».

عن رسول الله - لما سأله رجل عن أفضل الأعمال -: إطعام الطعام، وإطياب الكلام «1»، عن علي : ثلاث من أبواب البر: سخاء النفس، وطيب الكلام، والصبر على الأذى «2».

وعن رسول الله : إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، يسكنها من أمتي من أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وأفشا السلام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام «3».

وعن الصادق : معاشر الشيعة، كونوا لنا زينا ولا تكونوا علينا شينا، قولوا للناس حسنا.. «4».

يحكى أنه اجتمع أربعة ملوك فتكلموا:

فقال ملك الفرس: ما ندمت على ما لم أقل مرة، وندمت على ما قلت مراراً.

وقال قيصر: أنا على رد ما لم أقل أقدر مني على رد ما قلت.

وقال ملك الصين: ما لم أتكلم بكلمة ملكتها، فإذا تكلمت بها ملكتني.

وقال ملك الهند: العجب ممن يتكلم بكلمة إن رفعت ضرت، وإن لم ترفع لم تنفع «5».

آثار حسن المقال على الفرد والمجتمع:

ونستجلي من النصوص ضرورة التمسك بأدب الحديث، وصون اللسان عن البذاء، وتعويده على الكلم الطيب، والقول الحسن، فللكلام العفيف النبيل حلاوته ووقعه في نفوس الأصدقاء والأعداء معاً، ففي الأصدقاء ينمي الحب، ويستديم الود، ويمنع نزغ الشيطان، في إفساد علائق الصداقة والمودة.

وفي الأعداء يلطف مشاعر العداء، ويخفف من إساءتهم وكيدهم، لذلك نجد العظماء يرتاضون على ضبط ألسنتهم، وصيانتهم من العثرات والفلتات.

1 - زيادة المال وتنمية الرزق وينسئ الأجل ودخول الجنة، عن علي بن الحسين : «القول الحسن يثري المال، وينمي الرزق، وينسئ في الأجل، ويحبب إلى الأهل، ويدخل الجنة» «6»

2 - اجتناب العداوة، عن علي : عود لسانك حسن الكلام تأمن الملام «7»

3 - كثرة المحبين وقلة المبغضين، وعنه : عود لسانك لين الكلام وبذل السلام، يكثر محبوك ويقل مبغضوك «8»، وعنه : من عذب لسانه كثر إخوانه «9»

 

المصادر:
«1» البحار: 71 / 312 / 12.
«2» المحاسن: 1 / 66 / 14.
«3» معاني الأخبار: 251 / 1.
«4» أمالي الصدوق: 327 / 17.
«5» مجاني الأدب
«6»، «7»، «8»، «9» ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 3 - الصفحة 2743