حديث الجمعة
بعد رمضان: خطوات عملية للثبات على الطاعة
روي عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» أنهُ قَالَ: لَو يَعلَمُ العَبدُ ما في رَمَضانَ لَوَدَّ أن يكونَ رَمَضانُ السَّنَةَ. «1»
شهر رمضان ليس مجرد شهر في التقويم، بل هو مدرسة تربوية وروحية تُهذّب النفس وتُصفّي القلب وتُقرّب الإنسان من ربه.
فكيف نحافظ على هذه الروح بعد انقضاء الشهر المبارك؟ كيف نجعل من رمضان حالة دائمة في حياتنا؟
- إليك بعض الأفكار العملية المستوحاة من نهج أهل البيت
:
1. الاستمرار في الصيام
الصيام ليس فقط امتناعًا عن الطعام، بل هو وسيلة لتصفية النفس من الشهوات وضبط الغرائز. استمرار الصيام بعد رمضان، اجعل لك عادة أن تصوم ثلاثة أيام من كل شهر كما ورد عن رسول الله : من صام ثلاثة أيام من كل شهر كان كمن صام الدهر، لأن الله عز وجل يقول: «من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها» «2».
- فالصيام ليس عبادة موسمية، بل سلوك مستمر يزكي النفس ويقوّي الإرادة.
2. القرآن لا ينقطع
القرآن غذاء الروح، وكان له حضور قوي في رمضان، لكن لا ينبغي أن يُهجر بعده. حتى ورد واحد يوميًا، بقراءة وتدبر، يُبقي القلب حيًا والنفس متصلة بالله. القراءة اليومية، حتى لو كانت قليلة، كما يقول تعالى: ”فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ“ المزمل /20 فهي تقوي العلاقة بكتاب الله وتُرسّخ معانيه في النفس.
وقد ورد عن أبي عبد الله قال: القرآن عهد الله إلى خلقه فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده وأن يقرأ منه في كل يوم خمسين آية «3».
3. صلاة الليل
صلاة الليل سرّ من أسرار النور الداخلي، وهي مفتاح القرب من الله. لمَن لا يستطيع القيام بكلها، تكفي ركعتان قبل النوم بنيّة قيام الليل. الأثر الروحي والنفسي لهذه الصلاة عميق، وقد عبّر عنها الإمام الصادق بأنها ”شرف المؤمن“، وهذا يدل على عظمتها ومكانتها.
لذا لا تترك صلاة الليل تمامًا بعد رمضان. حتى ركعتين قبل النوم بنية قيام الليل تُحيي القلب.
4. الصدقة الخفية
الصدقة تطفئ غضب الرب، وتدفع البلاء، وتفتح أبواب الخير. لا يشترط أن تكون كبيرة، بل القليل المستمر أحبّ إلى الله. والصدقة في السرّ تطهّر النفس من الرياء وتُقرّبك من الله بصمت. اجعل لك صدقة دورية أسبوعية أو شهرية، وكما قال رسول الله : إذا أصبحت فتصدق بصدقة تذهب عنك نحس ذلك اليوم، وإذا أمسيت فتصدق بصدقة تذهب عنك نحس تلك الليلة «4».
- فاجعلها سلاحك الصامت المستمر حتى بعد رمضان.
5. الرقابة الذاتية
من أهم ثمار رمضان هو الإحساس بالمراقبة، أن الله يراك في كل وقت. استمر في هذه المراقبة بعد رمضان من خلال محاسبة النفس يوميًا. خصص لنفسك وقتًا هادئًا لتسأل نفسك: ماذا فعلت اليوم؟ ما الخير الذي قمت به؟ وما الذنوب التي وقعت فيها؟ كما ورد عن الإمام علي : ما أحق الإنسان أن تكون له ساعة لا يشغله شاغل، يحاسب فيها نفسه، فينظر فيما اكتسب لها وعليها في ليلها ونهارها «5».
- وتذكر أن هذه المراجعة تُصلح النفس وتُهذب السلوك.
6. لا تمل من الدعاء
الدعاء هو سلاح المؤمن، وهو حبل الوصل بين العبد وربه. لا تجعل الدعاء حكرًا على رمضان، بل اجعل لسانك رطبًا بذكر الله دائمًا. اطلب منه كل شيء، وكن على يقين بالإجابة. فالله يحب أن يُسأل ويكره أن يُترك.
وقد ورد عن الإمام الباقر عنه - لما سئل: كثرة القراءة أفضل أو كثرة الدعاء؟ -: الدعاء، أما تسمع لقوله تعالى: «قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ...» «6».
7. صل رحمك
قال رسول الله : اتقوا الله وصلوا الأرحام، فإنه أبقى لكم في الدنيا وخير لكم في الآخرة «7».
صلة الرحم تزيد في العمر وتبارك في الرزق، وهي من أعظم القربات. ولو بكلمة، أو سلام، أو رسالة بسيطة. كما ورد عن رسول الله : صلوا أرحامكم ولو بالسلام «8».
فلا تنتظر المناسبات، بل بادر أنت بالسؤال والوصال. بهذا السلوك تُرضي الله، وتزرع المودة في قلوب من حولك