الدقائق الأخيرة
العمر محطات ولكل محطة في الحياة جمالها ورونقها البهي واروع المحطات هي التي تقوم على مرافئ نصل عندها بسلام روحي وبمحبة مضيئة لحياتنا، فلماذا نجعل من العمر محطات ناقصة تبحث عن الكمال، ونقضي حياتنا في قائمة انتظار المجهول، تأتي سنين وتذهب وكم هي السنين التي نبحث عنها ونلهث للوصول اليها، ولكننا ننسى اننا نعيشها، تلامس ارواحنا بذكرياتها السعيدة والحزينة، علينا ان لا نتظرها بل نصنع اجملها بنا.
وكل مرحلة في حياتنا يعتبرها الكثير ناقصة، ويعلقوا امالهم على المرحلة المقبلة التي بعدها ويربطوها باحداث حدثت في الماضي ليعيشوا، بحركاتهم، احاديثهم. والبعض حتى وبافعالهم يبرمجوا حياتهم على الماضي ويكونون اسرى له، فيفقدون ذكرياتهم الجميلة وينسون الاستمتاع بحاضرهم وصنع احلام لمستقبلهم.
وهكذا يمضي العمر وكانهم في مطار يبحثون عن مقاعد سفر في رحلة لم تأتي بعد تنتظرهم فيمضي الوقت بالانتظار، الانسان يحلم باشياء كثيرة ويمني النفس بها، ويوهم نفسه متى ما تحققت سوف يعيش الحياة التي حلم بها وسيحتضن السعادة، كثير من الأفراد يكون جل تفكيرهم البحث عن مصادر السعادة خارج حدود ذاته، يلهث وراء اوهام يخسر ماله، صحته، ووقته، وفي النهاية يكتشف ان ابسط السعادة عند زاوية قلبه واشراقة روحه، السعادة هي ان تشعر بلمساتها مع نبضات قلبك.
هناك اشخاص يعتقدون ان سعادتهم بما يحققون من امور مادية الطالب مثلا يدرس ويجتهد وينتظر التخرج وان من بوابة الجامعة يكون الدخول الى الحياة والسعادة وهذا مطلوب بلا شك ولكن يأتي مسار مرحلة العمل والبحث عن الذات فيربط قرار سعادته بالاستقرار وبناء الأسرة، ومتى ما تحقق ذلك يرى ان حياته الحقيقية تبدأ عندما يبني منزله الخاص، ويكون اسرة وبابناء اكملوا مشوارهم التعليمي واستقلوا بذاتهم والاستقرار العائلي مهم ومطلوب. هنا يبدأ من جديد تخطيط لحياته لمرحلة جديدة، ولكن مضى من عمره الكثير والصحة ايضا، ليكتشف بعدهاان العمر مضى بين مرحلة تنتظر اخرى.
وانه في مشواره هذا نسي ان ما مضى من مراحل كان العمر الذي يفترض ان يعيشه ويتفنن في اسعاد ذاته بافعال وهوايات نساها مع لهاثه المستمر في الحياة، ويدرك ذلك متأخرا، او كما اقول في الدقائق الأخيرة، ولكنها الحقيقة التي لا تعرف التجمل، ومن طبعي وعشقي التفاؤل وحتى لو كانت الدقائق الأخيرة ابحثوا عن ذاتكم اسعدوها بهواية او عمل تطوعي خيري يناسب ميولكم وتطلعاتكم وباي عمر تكونوا.
واقول لمن يملك الوقت والصحة ولا زالوا في مقتبل العمر التوازن مطلوب ويعلمنا ان نحيا حياتنا في كل فصولها، وبكل ما فيها. وان نستمتع بالمرحلة التي نعيشها، وان الكمال حلم مفقود في الحياة لان الكمال لله وحده سبحانه وتعالى، وان القناعة والرضا هما البوابة التي تقودنا الى السعادة.
الكثير يميل الى تعقيد الأمور بينما البساطة والتأقلم مع الواقع وصنع ما يجمله باناملنا بتغيير بعض لمسات يومنا والقضاء على الروتين يصنع الفرح والجمال، ونعيش الحياة براحة وتصالح مع النفس.
اذن لماذا يجب ان تنتظر الدقائق الأخيرة لتعيش الحياة، لماذا لا نعيشها الان؟