قراءة في السلوك الدكتاتوري ومحاولة للفهم
التاريخ الإنساني مليئ بقصص الدكتاتورية التي تعبر عن الجانب المظلم في الحياه البشريه من بداية عصر الأنبياء حتى عصرنا الحالي , بل أنه قد يتطور بصورة غير متوقعة و الذاكرة التاريخية مليئة بما يكفي ذلك .
في معنى الدكتاتور " الحاكِمُ الَّذِي يَسْتَوْلِي على جَميعِ السُّلَطِ وَيَحْكُمُ حُكْماً مُطْلَقاً وَلا يَسْتَشِيرُ أَحَداً في أَحْكامِهِ ، الَّتِي تَكونُ في كُلِّ الأَحْوَالِ ضِدَّ رَغَباتِ الشَّعْبِ" , بعبارة آخرى هو الذي يمتلك قوة غير محدودة على كافة مؤسسات الدولة " السلطة التشريعة و السلطة التنفيدية و السلطة القضائية و يختزله في شخصه .
حينما دعا النبي موسى عليه السلام قومه إلى عبادة الله سبحانه وتعالى بأمره ﴿ وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ كان نبي الله موسى عليه السلام يخشى أن يكذبو رسالته ﴿ قال رب إني أخاف أن يكذبون﴾ من خلال سياق هذه الأية يفهم إن التكذيب هي من صفات الدكتاتور فهو دائما لا يستطيع التصديق و الثقه في الأخرين, أيضا في آية آخرى نلحظ كيف إن فرعون كان يذكر النبي موسى عليه السلام حينما كان طفل رضيعا ً و كيف أنه أعتنو به, و بناء على ذلك ما كان ينبغي على النبي موسى أن يفعل كل ذلك كــإستحقاق , بل لا بد أن يستشيره و إلا فــالحرمان هو المصير.
﴿ قال ألم نربك فينا وليد و لبثت فينا من عمرك سنين﴾و يكمل فرعون ﴿وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين﴾.
﴿قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين ﴾, الدكتاتور فرعون كان يهدد نبي الله موسى عليه السلام بالسجن لمجرد أنه كان يدعو إلى عبادة الله.
و حينما أجتمع النبي موسى عليه السلام مع السحرة وتكشفت لهم الحقائق أمنو بالله ﴿ فألقى السحرة ساجدين ﴾ و في أعترافهم بالحق ﴿ قالو آمنا برب العالمين﴾ و جاء ذلك كــالصاعقة على رأس الدكتاتور كيف لكم أنم تؤمنو به قبل أن أذن لكم, هنا التصرف يعبر عنه بالغرور بالنفس فهو يرى نفسه أنه الوحيد المفكر و القادر على إعطاء القرار المناسب إلى الأخرين و لا بد من الرجوع له, ﴿ قال أمنتم له قبل أن أذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون لأقطعن أيديكم و أرجلكم من خلف و لأصلبنكم أجمعين ﴾ فهو يطلب منهم أخد الأذن و إلا سوف يكون التقطيع و الصلب مصيرهم.
في التاريخ المعاصر لا زالت تسجل الكثير من سلوك الدكتاتوريين لا سيما بعد سقوط النظام العراقي المتمثل في صدام و حتى يومنا هذا .
من سلوك الدكتاتور صدام أنه لا يكتفي بــ التهديد بالسجن أو جعله واقع بل كان يمارس أبشع أنواع التعذيب الذي تقشعر له الأبدان, ينقل السيد محمد رضا الشيرازي (رض ) عن أخيه السيد حسن الشيرازي ( رض) الذي قتل على يد جلاوزة النظام العراقي في لبنان أنه حينما كان في العراق , أعتقل و عذب تعذيباً نفسيا و جسدياً شديداً " علقة رجليه بالمروحه و ظل ثلاث أيام بلياليها معلقاً فوق على عقب", كان يأمر جلاوزته بتسجيل مشاهد التعديب , أذكر هنا مشهد التعديب الجماعي لمجموعة من السجناء , كان العساكر ينهالو بالضرب و الركل في كل مكان على أجساد الجسناء دون رحمة أو شفقة , أيضا في مشهد آخر كان يرمى المعتقلين من مكان شاهق و هم مغمضي العينين.
هذا السلوك الوحشي الفاشي الذي تمثل في شخص صدام , مارسه فرعون في قومه في ذلك الوقت إلا أن صدام إستخدم أساليب اكثر وحشيه .
في كتاب" التخلف الاجتماعي: سيكولوجيا الإنسان المقهور", للكاتب مصطفى حجازي , يصف الإنسان المقهور "يعيش وضعه كعار وجودي يصعب احتماله, إنه في حالة دفاع دائم ضد افتضاح أمره , ويخشى أن ينكشف باستمرار، يتمسك بشدة بالمظاهر التي تشكل سترا واقيا لبؤسه الداخلي" و في توصيف دقيق جدا عن الحالة السلوكية للدكتاتور " حساسيته مفرطة جدا لكل ما يهدد المظهر الخارجي الذي يحاول أن يقدم نفسه من خلاله للآخرين" دكتاتور العراق كان عبارة عن شخصية تعاني القهر منذ الطفولة فشكلت ظروف حياته و بيئته مع عوامل أخرى شخصيته الدموية.
ينقل عن صدام في فترة حكمه مقولة " من أراد أن يحكم من بعدي فـليحكم من غير شعبي " لم يختلف صدام عن الدكتاتور فرعون حينما أنزعج جدا من السحرة حينما أمنوا بما جاء به النبي موسى عليه السلام دون إذنه و هددهم بقطع أيديهم و أرجلهم , إنه ذات السلوك الدكتاتوري.
في الذاكرة العربية يذكر كيف أن طاغية ليبيا جعل من شخصيته محل تقديس و راح يتصرف على أنه المفكر و الرئيس الأوحد و الأقدر على إدارة ليبيا .
و من المناصب التي تولاها القذافي في بداية الأستيلاء على الحكم عام 1977 •رئيس مجلس قيادة الثورة, قائد عام القوات المسلحة الليبية وفيما بعد قائد أعلى ,وزير الدفاع ورئيس مجلس الأمن القومي, رئيس مجلس القضاء الأعلى, رئيس مجلس التخطيط الأعلى.
كل هذه المناصب تبين كيف إن الدكتاتور لا يثق في الأخرين و يرغب في إمتلاك كل مصادر القوة و ذلك تعبير عن حال ضعف لا عن قوة و ذلك كما يؤكد علماء النفس .
و كانت أشهر قضية عربية عرف بها هي قضيه إختفاء السيد موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين في الحادي والثلاثين من أغسطس آب عام 1978 .
و تشير الأدلة عن مسؤلية النظام الليبي كاملاً بل أعتبر ذلك جريمة أختطاف لشخصية وطنية أجمع عليها الكثير من المواطنين اللبنانيين.
و في تصريح سابقا عن النائب علي خريس عضو هيئة الرئاسة في حركة «امل» لصحيفة عرب تايمز" الامام الصدر حيث ذهب الى ليبيا ذهب من اجل قضية توحيد العرب ودرءا لخطر عن لبنان وتحديداً عن الجنوب لأنه كان يعي حجم الخطر وحجم المخطط الذي كن يحاك تجاه القضية الفلسطينية والقضية اللبنانية وتجاه مستقبل لبنان" لمجرد حوار في مثل هذه قضايا محورية و هامة كان مصيره و مرافقيه التغييب قسراً و إخفاء مكانهم و تظليل السلطات اللبنانية و أهاليهم .
أيضا بث على القنوات الفضائية بعد سقوط طرابلس و القبض على القدافي جثث غير معروفه في غرف التبريد مضى عليها ما يقارب 30 سنة لم تدفن, أي أنه لم يكتفي بالسجن و التعذيب بل حتى مارس القتل بدم بارد و لم يدفن جثمانهم. أمام هذه السادية التي لم يتوقع الإنسان المعاصر أن يصل الدكتاتور الى هذا المدى من الاانسانيه, كان من أشهر أقواله و أفعاله " أنا لست ضد اليهود و تمنيت أني لم أكن عربياً" و كان يجعل السابع من نيسان من كل عام يوم تنفيد الأعدمات بحق معارضيه و قيل إن السبب وراء ذلك أنه يصادف عيد الفطر التلمودي كما يؤكد المؤلف جاك تايلور في كتابه بعنوان أوراق الموساد أن إمه من أصول يهودية كانت تعيش في منطقة سرت الليبية.
المطلع على تاريخ الدكتاتوريات و سلوكهم من عصر الأنبياء و حتى عصرنا الحالي يلحظ كيف إن التهديد بالسجن هي اللغة السائدة مع الفارق الزمني, فما أن تطالب بالحقوق الإساسية , كالعدالة و الحرية لك أو لغيرك .
كل ذلك تعبير عن شخصية تعاني من القهر و الحرمان سواء معنويا او ماديا .