الإنسان والعمر
بقلم: أحمد الخرمدي
من غير الصواب أن نجعل هاجس العمر مقياساً في حياتنا، حتى يبلغ في داخلنا ما يحول من عزمنا وثقتنا بإنفسنا، ويقلل من تطلعاتنا في الحاضر والمستقبل.
فالإنسان يبقى ينبض بالنشاط والحيوية ولا يقاس بعمره ولا بسن تقاعده، وهذا القول ليس بخيال فهو حقيقة وواقع من الناحية الصحية والدينية والنفسية، فما يمر به الشخص من ظروف أو حالة يجب أن لا تنحصر على تقدمه في العمر.
فالإنسان ذكر كان، أم أنثى في الستين من العمر على سبيل المثال كما الثلاثين، فبإمكانه أن يتمتع بحياة جميلة وحتى عمر الثمانين سنه وأكثر، وأن يبقى بروح عالية من الصحة والحيوية والجمال، يكون مرحاً وبرحابة صدر، يسعد ويدخل السرور والفرح على الناس كما أنه يَحب ويَعشق ويكون له رمق وذوق في الحياة يتجدد كل يوم جاعلاً كل العمر والحياة من حوله وروداً وزهوراً وعطراً مثير برائحته العطرة الزكية.
الود والتراحم والعشرة الطيبة والقول الجميل وطيبة القلب وحسن الخلق والمظهر والتعاون والتسامح والصبر والتأني والكرم والتفكير السليم وأحترام الأخرين صفات وفضائل، حين يملكها الإنسان، لا تظهر عليه أي متاعب ولا مشاكل حياتية أو إجتماعية حتى وإن كانت لا سمح الله اعترضت يوما ما طريقه مشكلة كبيرة أو صغيرة، ينسى ويتناسى الكثير من همومه حتى يكون ذلك الرجل الذي في داخله قلب طفل يهفو إلى من يدلل ويلاطف إحساسه وشعوره، وهو يضل متمسكاً بزمام المسؤولية والنضج الفكري والقيادة والإبداع.
فلا يجعل للفشل أو الإحباط من طريق في حياته، فبالإيمان والشكر على النعم والقناعة بما قسمه الله له في دنياه، المنفس والمحفز لديمومة حياته وهي مما يستمد بها قواه ومتى احتاج لا قدر الله تكون أول الطريق لعلاجه.
وهناك شيء مهم يتجلى دائماً ولا يفارق طموحه ورغبته، فهو يحارب الوحدة القاتلة بإنتفاضة وجدانية كبيرة ومستمرة، يمارس الأنشطة الثقافية والأدبية والفنية والإجتماعية والتطوعية، يستعيد ماضيه وذكرياته بتواصله الحثيث مع أصدقائه وزملائه، يمارس الرياضة، القراءة، الكتابة، الشعر، السياحة، الزراعة، السفر، والعديد من الهوايات الجميلة المعاصرة.
أنه من المناسب من خلال هذا الطرح الإشارة ولو بالمختصر، بما يمر به الإنسان من المراحل العمرية وهي من السنن الكونية للخالق عز وجل، فالإنسان يمر بمرحلة الولادة والرضاعة والحضانة والشباب والفتوة والرجولة حتى مرحلة الكبر والشيخوخة، ومرحلة صعبة جداً متى بلغ لها الإنسان وهي أرذل العمر، هذه المرحلة يكون الإنسان فيها كما ولد عاجزاً تماماً وبحاجة إلى رعاية وعناية كما يحتاجها الطفل الصغير.. قال تعالى: - «واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا» سورة الإسراء - الآية 24.
كما لا يمكن أن نخفي بعض العوامل المؤثرة في حياة الإنسان ومنها الإيجابية والسلبية، فجودة الحياة ونوعية البيئة والعلاقات الإسرية والإجتماعية والروح المعنوية والمادية إلى جانب عوامل أخرى، مثل مستوى المعيشة والتعليم والعزلة، جميعها تلعب دوراً مهماً وحيوياً في حياة الإنسان، وقد يكون عامل الوراثة كما جاء في بعض البحوث والدراسات، في علم الأحصاء الحيويٌ لمجموع العمر الإفتراضيٌ للأجداد فيها دلائل لعمر الأباء والأبناء وحيث لا أحبذ ذكر بعض الدراسات التي تكشف ما يسمى «سن التعاسة» لدى البشر.
ولعلي هنا وعلى عجالة، انقل لكم بعض المعلومات والإستنتاجات الحديثة عن عمر الإنسان والتي إن شاء الله يكون فيها الإفادة والإطمئنان والمتعة:
منها، تفيد مجلة Scientific Report بأن الخبراء يشيرون إلى أن ”متوسط عمر الإنسان“ العاقل أزداد خلال 200 سنة الأخيرة بمقدار الضعف بسبب تقدم الطب وتغيير نمط الحياة.
وقد تمكن العلماء من تحليل اللاجينية في الحمض النووي في أكثر من 200 نوع حيواني، من تقدير العمر الطبيعي لعدد من أنواع الثديات بما فيها الحوت المقوس الرأس والذي يعرف ايضاً بأسم حوت غرينلاند، الذي متوسط عمره 268 سنة، وهذا أكبر بنحو 58 سنة مما كان يعتقد سابقاً.
وتجدر الإشارة إلى أن علماء جامعة تيلبورغ الهولندية أعلنوا في أغسطس عام 2017 أن أقصى طول عمر للنساء «وهذا حقاً ممتع ويدعو للإرتياح والبهحة والسرور» هو 115,7 سنة وللرجال 114,1 «بفارق 1,6» سبحان الله. وقبلهم في يونيو 2017 أعلن علماء من كندا أن أعلى متوسط عمر المعمرين في الأرض هو مما أعلنه باحثون في الولايات المتحدة في أكتوبر عام 2016 حيث وفقاً لهم، الحد الأقصى لمتوسط العمر المتوقع للفرد 115 سنة والحد الأقصى المطلق 125سنة.
ويذكر أن الفرنسية جان كالمان التي توفيت في أغسطس عام 1997 كانت المرأة الأطول عمراً في العالم التي بموجب الوثائق الرسمية عاشت 122 سنة و5 شهور و14 يوماً.. «المصدر لينتا. رو» صحيفة published time ديسمبر 2019.
ومن الحِكم إن العمر ليس بعدد السنين وكما يمكن للعقل أن يبقى قوياً وإن تقدم الإنسان في العمر وضعف جسمه ووهن عظمه، فالعاقل لا يشيب عقله ولا تنتفض الشيخوخة من قوته بل يزداد طاقةٌ وحيويةٌ.
وبمعنى آخر فلا تقاس العقول بالأعمار، فأن العقل يتقوٌم في المنظور الأسلامي من تظافر مهارتين معاً لا غنى لأحداهما عن الأخرى وهي «المهارة العقلية» و«المهارة الدينية» ومنها ينتج تكويناً جذرياُ لشخصية الإنسان، عقلياٌ وتربوياً وجسدياً ونفسياً وإنسانياً.
وكما تعزز الثقة في النفس البشرية، أن العقل السليم في الجسم السليم، وأن في الستين من العمر بالكاد بلغنا الثلثين من عمرنا.. لذا ينبغي ألا ندفن أنفسنا.. ينبغي العيش.
«تمنياتنا للجميع الصحة والعافية والعمر المديد».