لماذا لا نُشاهد النصف الآخر من الصورة؟
قبل مدة، تلقيت دعوة كريمة من إحدى جامعاتنا السعودية الناشئة. دهشت من حجم الإنجازات والمستويات التي تتمتع به هذه الجامعة الطموحة. ولمست عن قرب الرغبة الشديدة التي يُبديها المسؤولون والأكاديميون لجعل هذا الصرح التعليمي الوطني الطموح في قمة الجامعات السعودية التي تعيش منافسة قوية من أجل الظفر بالمستوى التعليمي الذي يتناسب مع التحوّل الوطني الكبير الذي طال كل قطاعاتنا ومجالاتنا، خصوصاً قطاع التعليم الذي يُعد أحد مرتكزات النهضة الوطنية الحديثة.
التقيت ببعض قادة وأساتذة وطلاب الجامعة، وتحدثنا عن كل الطموحات والتحديات والضغوطات التي تواجه هذه الجامعة الصاعدة. وكان لابد من توثيق هذه التجربة الثرية بالنسبة لي، فكتبت مقالاً رصدت فيه بعض إنجازات وإبداعات هذه الجامعة، كما سلطت الضوء على التحديات والضغوطات التي تواجه مسيرتها التعليمية، وختمت المقال بذكر بعض ملامح القصور والخلل التي شاهدتها في تلك الجامعة الوطنية الناشئة.
وبمجرد أن نشر المقال، انهالت الردود والتعليقات الغاضبة والمحبطة من قبل طلاب وطالبات الجامعة، بل ومن بعض الأكاديميين فيها. سيل من الردود والتعليقات السلبية التي طالت كل تفاصيل تلك الجامعة، المناهج والاختبارات والبعثات والترقيات وهيئة التدريس والمرافق والمكافآت والأكل ومواقف السيارات. الردود والتعليقات الغاضبة من كل شيء في تلك الجامعة الناشئة، كانت حاضرة وبقوة، بينما غابت الردود والتعليقات الإيجابية التي كان من المفترض أن تذكر الخدمات والإمكانات المذهلة التي تُقدم للطلاب والأكاديميين، بل وللمجتمع المحيط بالجامعة. السؤال لماذا نحن هكذا: نُتقن التذمر والاحتجاج ولا نُجيد الشكر والامتنان؟.
لماذا نحن هكذا دائماً؟. لا نشاهد الصور والزوايا الجميلة والمدهشة، ونتفنن في رصد ملامح القصور والخلل. النقد ليس فقط للظواهر السلبية، رغم أهمية وضرورة ذلك، ولكنه أيضاً لملامح الجمال ومصادر الإيجابية.
نحن بحاجة ماسة لمشاهدة كامل الصورة، ومن كل الزوايا والاتجاهات، ولا نكون انتقائيين وسلبيين على الدوام. إن ممارسة الانتقاد ورصد العيوب، ظاهرة صحية وضرورية، ولكنها النصف فقط من كامل الصورة، ولكي تكتمل لابد من إظهار نصفها الآخر المتمثل بالجوانب والملامح المضيئة والإيجابية، تلك هي الصورة الكاملة التي تستحق المشاهدة.