أترك أثرا ً قبل الغياب والرحيل «7»
المحور الثالث: السجايا الخُلقية للمرء:
ثامنا ً: فضيلة الستر:
وليكن أبعد رعيتك منك، وأشنأهم عندك، أطلبهم لمعايب الناس، فإن في الناس عيوبا، الوالي أحق من «سترها»، فلا تكشفن عما غاب عنك منها، فإنما عليك تطهير ما ظهر لك، والله يحكم على ما غاب عنك، «فاستر العورة» ما أستطعت يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك «الإمام علي - من كتابه للأشتر لما ولاه مصر» - أمير المؤمنين حينما ولى الأشتر مصرا
تعريف الستر:
الستر لغة: تغطية الشيء، وستَر الشيء يستُرُه سترًا؛ أي: أخفاه، وتستَّر؛ أي: تغطَّى.
الستر اصطلاحًا: ستر المرء هو تغطية عيوبه وعدم إظهارها للناس وضدها كشف العيوب «2».
نرى الإسلام العظيم يحرّم تتبع العورات وإبدائها ويوجب ستر العيوب وكتمانها وتوعد مرتكبيها أشد العذاب، قال الله عزوجل: «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» - النور - آية 19
وجل من قائل «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ» - الحجرات - آية 12
عن رسول الله : «من ستر على مؤمن خزية فكأنما أحيا موؤودة من قبرها» «3»، وعنه : «من أطفأ عن مؤمن سيئة كان خيرا ممن أحيا موؤودة» «4»، وعنه : «من علم من أخيه سيئة فسترها، ستر الله عليه يوم القيامة» «5»، وعنه : «من ستر أخاه المسلم في الدنيا ستره الله يوم القيامة» «6»، وعنه : «من ستر أخاه في فاحشة رآها عليه ستره الله في الدنيا والآخرة» «7»، وعنه : وقد سأله رجل: أحب أن يستر الله علي عيوبي -: «استر عيوب إخوانك يستر الله عليك عيوبك» «8».
وكفى بستر العيوب فضلاً أنه من أوصاف الله سبحانه، ومن شدة إعتنائه بستر الفواحش أناط ثبوت الزنا وهو أفحشها، وهو مشاهدة أربعة عدول كالميل في المكحلة، وهذا قل ما ندر ويحصل، فإنظر إلى أنه تعالى كيف أسبل الستر على العصاة من خلقه في الدنيا بتضييق الطرق المؤدية إلى كشفه، ولا تظنن أنك تحرم هذا الستر يوم تبلى السرائر.
”إن الله تعالى إذا ستر على عبد عورته في الدنيا فهو أكرم من أن يكشفها في الآخرة، وإن كشفها في الدنيا فهو أكرم من أن يكشفها أخرى“ «9»
وورد أيضا: ”إنه يؤتى يوم القيامة بعبد يبكي، فيقول الله سبحانه له: لم تبكي؟ فيقول: أبكي على ما سينكشف عني من عوراتي وعيوبي عند الناس والملائكة، فيقول الله: عبدي ما افتضحتك في الدنيا بكشف عيوبك وفواحشك، وأنت تعصيني وتضحك! فكيف أفضحك اليوم بكشفها وأنت تعصيني وتبكي!“ «10»
وفي خبر آخر: ”إن رسول الله يطلب يوم القيامة من الله سبحانه ألا يحاسب أمته بحضرة من الملائكة والرسل وسائر الأمم، لئلا تظهر عيوبهم عندهم، بل يحاسبهم بحيث لا يطلع على معاصيهم غيره سبحانه، وسواه فيقول الله سبحانه: يا حبيبي، أنا أرأف بعبادي منك، فإذا كرهت كشف عيوبهم عند غيرك، فأنا أكره كشفها عندك أيضا، فأحاسبهم وحدي بحيث لا يطلع على عثراتهم غيري“. «11»
فإذا كانت عناية الله سبحانه في ستر عيوب العباد بهذه المثابة، فأنى لك أيها المبتلى بأنواع العيوب والمعاصي، وتسعى في كشف عيوب عباد الله، مع إنك مثلهم في الاتصاف بأنواع العيوب والعثرات! وتأمل أنه لو أظهر أحد بعض عبوبك وفواحشك عند الناس كيف يكون حالك، فقس عليه حال غيرك ممن تكشف أنت بعض فواحشه وعيوبه المخفية الغير المجاهر بها صاحبها.
وقد ثبت ووضح من الأخبار بالنقل وواقع الحال إن من يفضح يفتضح، فترحم على نفسك وتأس بربك واسبل الستر على عيوب غيرك.
آثار الستر على الفرد والمجتمع:
1 - محبة الله عزوجل وإجتناب غضبه وعذابه.
2 - علو النفس ومودة الناس للمتصف بفضيلة الستر.
3 - دليل على دنوا النفس، عن علي «شر الناس من كان متتبعا لعيوب الناس عميا لمعايبه» «12»
4 - دليل على فراغ المرء من أي عمل نافع، عن علي : «طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس» «13»، وعن رسول الله : «طوبى لمن منعه عيبه عن عيوب المؤمنين من إخوانه» «14».
5 - دليل على مستوى عقل المرء، عن علي : «أعقل الناس من كان بعيبه بصيرا، وعن عيب غيره ضريرا» «15».
6 - التناحر والعداوة بين الناس.