شكر أبدي

الإحسان والمعروف من السمات القَيّمة والحسنة في حياة البشرية، حتى إن بعض الناس تخلق بها حتى صارت له سجية وجبله. وتتجسد تلك المبادئ في علاقات الناس بعضهم البعض. ومنها تنبثق بواعث الترابط وأواصل المحبة والوئام بينهم.

ولما لهذا الجانب من الأهمية الكبرى في حياة الإنسان. فقد حثت النصوص والأحاديث الشريفة على تنميه تلك الخصال، لأثرها الزكي في الوجدان الروحي لبني البشر. فبها ترتقي النفس الإنسانية وتعلو بتلك القيم لأرفع الدرجات من السمو والتشريف، فتشعر بوجودها كعنصر فاعل تجاه المحيط الخارجي.

ومن هذا المنطلق لابد أن نذكر، أن شكر المعروف والإحسان أمرآ مطلوبآ ومحبوبآ أيضآ، بل هو واجب وضروري شكر ذلك المتفضل. سواء كان المعروف والإحسان في عمل بسيط أو كلمة عابره تركت في النفس ماتركته من جميل الأثر. فليس المأمول النظر لحجم المعروف والإحسان كبيرا كان أم صغيرا. بل الواجب النظر لجوهر العمل والثناء علية والشكر الوافي لصانع ذلك المعروف، تقديرا لرسمه لا لحجمه. بأن نحفظ المعروف تجاه المتفضل علينا، مهما تقادم على معروفه الزمن. فلا ينبغي بأي حال نسيانه أو طي صفحته. فمن الضروري إستحضار ذلك في الذاكرة وبإستمرار. لأن ذلك من الحقوق الواجبة علينا حقّ شكر الإنسان الّذي أكرمنا، فعن الإمام زين العابدين : « أمّا حقّ ذي المعروف عليك فأن تشكره وتذكر معروفه، وتُكسبه المقالة الحسنة، وتُخلص له الدعاء فيما بينك وبين الله عزَّ وجلَّ، فإذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرّاً وعلانية، ثمّ إنْ قدرت على مكافأته يوماً كافيته»

والقرآن الكريم ايضا يُثبِت ركيزة أساسية لمقابلة المعروف بالمعروف.. والإحسان بلإحسان.. والفضل بالشكر والإمتنان.

قال تعالى: «هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ» «60» «الرحمن»

صدق الله العظيم

إننا بحاجه لرفع مستوى ثقافة الشكر والتقدير لكل من أحسن وعمل معروفا. حتى يتسع مفهوم الشكر على أوسع نطاق. بأن نحسن إجلال ذلك العطاء، ونمنح صاحب الجميل ما يستحق من الاهتمام الكافي والمناسب، دون أن تلتبس علينا المفاهيم بعضها البعض. حتى لا نمزج بين الإحسان والمعروف النقي الخالص لوجه اللَّه وبين المعاملات التي تحمل من ورائها منفعة. حيث أن هنالك فرق شاسع بين الإحسان المتجرد من الفائدة وبين التعاملات المبنية على مصلحة مقصودة. فقد يقع الإنسان في فخ العجب والبحث عن مقابل. فيفسد بذلك عمله. وبالتالي يتبدد الأجر الحاصل. والمعروف لا يرتجي صاحبه جزاءً، بعكس المصلحه جزاءُها وإن تأجل فهو حاصل ومتوقع.

حتما أن هنالك الكثير ممن حولنا يستحقون الثناء والتوقير. ومعظم هؤلاء له فضل على الأخر في محطات حسنة كثيرة، حملت معها المعروف والإحسان. ولكن ومع مرور الزمن قد يشوب ذلك نوع من النسيان وعدم تذكر. وقد لا تسعفنا أحيانا الذاكرة فلا نستجلب تلك المواقف الجميلة من العطاء والبذل من اللذين أحسنوا. إبتدائآ بإحسان الوالدين ووصولا بكل من تجمعنا بهم صلة كالإخوان والأخوات، الأقارب والاصدقاء وغيرهم من النماذج الزاهرة التي كانت تحيط بنا على مدى السنين.

وإمتناناً نقول شكرآ لكل هؤلاء، أصحاب الأكف النبيلة. وشكرآ لكل من زرع بذور الخير من المعروف والإحسان في طريقه بصفاء ونقاء دون رياء. لهم جميعا أصدق الحب والوفاء بالإشادة والتقدير والدعاء لهم بالخير والفلاح بأن يجعل الله حياتهم مليئة بالسعادة والفرح والنعيم أينما كانوا. وأن يرفع الله درجاتهم ويجعل الله الفردوس دار مقرهم مع النبي محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.

وخير الختام أطيب الكلام وأجمل الأثر، فيما روي عن الإمام الرضا قال: «من لم يشكر المنعم من المخلوقين لم يشكر الله عزَّ وجلَّ»