القطيف تكرم الشماسي آخر أعمدة الشعر القديم

شبكة أم الحمام القطيف - ميرزا الخويلدي

تحتضن القطيف يوم غد الجمعة نخبة من رجال الأدب والشعر بمناسبة تكريم الشاعر الكبير محمد رضي الشماسي المحاضر بقسم الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وأحد رواد الشعر في المنطقة الشرقية، الذي غيبه الموت قبل نحو 40 يوما عن عمر ناهز 75 عاما.

يعتبر الشماسي أحد أعمدة القصيدة الشعرية القديمة التي عرفتها القطيف، وعرفها الخليج، وأحد أعمدة الأدب هناك، وهو ينتمي لجيل من الشعراء والأدباء نسجوا القصيدة على طرازها القديم، لكنه طور كثيرا في مضامينها. وعمل على مدى 50 عاما على تجسير الفجوة بين الشعر القديم والشعر الحديث واحتضان التجارب الشعرية الناشئة، كما عرف بحسه الإنساني المرهف، وعلاقته الوثيقة بأجيال متعددة من الأدباء والمثقفين، وتواصله المستمر مع الحركة الأدبية في المملكة والعالم العربي.

ولد الشاعر الشماسي في القطيف سنة 1939، وتلقى تعليمه الأولي والثانوي فيها، وفي عام 1963 حاول الانضمام لجامعة دمشق لدراسة القانون ولكنه أعرض عنها وتوجه للعراق عام 1971، وحصل على البكالوريوس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية من كلية الفقه بالنجف سنة 1975. بعدها انتقل للولايات المتحدة حيث حصل على الماجستير في الأدب العربي من جامعة إنديانا سنة 1980. وعين معيدا ومحاضرا للغة العربية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران، حتى تقاعده.

عرف الشماسي باعتباره واحدا من جيل الرواد في مجال الشعر في القطيف، فقد انفتح مبكرا على التجربة الشعرية، وتلقى ما يصدر منها وما يصل إليه من حواضن الأدب آنذاك وخصوصا في العراق ومصر والشام، وفي مرحلة مبكرة من حياته بدأ في كتابة القصة القصيرة، لكنه سرعان ما وجد طريقه نحو الشعر، فكان يلتقي ومجموعة من الشباب المثقفين في رابطة أدبية سموها «عصبة الأدب»، وذلك في مطلع الستينات من القرن الماضي، وخلال أمسية سرد فيها جوانب من سيرته الأدبية، تحدث عن هذه الرابطة بالقول: «نحن عصبة الأدب، قد اتخذناه دارة أدبية نرتادها في كل ليلة، لا نمل من طول الثواء، ولا نسأم من كثرة الارتياد». وكانت تصدر عن هذه العصبة مجلة «قبس الإشراق»، التي تتضمن نشر قصائد أعضاء المجموعة بشكل بدائي وبسيط.

وبالمناسبة فقد كانت المجموعة تلتقي في منزل شاعر آخر، انتهت حياته بشكل مأساوي هو الشاعر عبد الوهاب حسن المجمر، الذي قضى في حريق أتى على كامل منزله في 21 أكتوبر «تشرين الأول» 1985، وقد رثاه الشماسي في قصيدة معبرة جاء فيها:

قضيتها حيث كان «البيت» مدرجة

للمجد تسعى إلى آفاقه الهمم

أو منتدى يرقص الأكباد ساجعه

وينتشي من صدى أنغامه النسم

كان الشماسي صاحب تجربة شعرية تلتقي كثيرا مع التجربة الشعرية التي سادت في شرق السعودية، والتي كانت تتجاذبها التيارات الشعرية السائدة في العالم العربي، والتي وجدت تواصلا مع ضفاف الشعر في العراق تحديدا، وفي لبنان والشام أحيانا، وكان الشماسي كالكثير من شعراء عصره كالشعراء أحمد الكوفي، والشيخ علي الجشي، والشيخ فرج العمران، ومحمد سعيد الجشي الذين وجدوا في التيار الشعري الكلاسيكي الذي كان سائدا في النجف بغيتهم. كما كان قريبا من تيار أكثر انفتاحا على القصيدة الحديثة مثله، الشاعر الكبير عبد الله الجشي، والشاعر المحقق عدنان العوامي، ومحمد سعيد المسلم والشيخ عبد الحميد الخطي.

ولم يشذ الشماسي طيلة نصف قرن من نظمه للشعر عن إيقاع القصيدة العروضية من حيث الشكل، وعن انفعاله بالأرض والإنسان والقيم الجمالية التي طالما شغلت الشعراء في هذه المنطقة. وهو يميل للمدرسة الرومانسية والكلاسيكية في قصائده، وهو طابع يشاركه في الكثير من الشعراء.

ويمكن لأي قارئ أن يتحسس أثر القصيدة العراقية في أشعاره، كما في قصيدته «يقظان» التي يلتقي خلالها بقصيدة الشاعر العراقي الدكتور مصطفى جمال الدين في قصيدة تحمل الاسم نفسه، لكن الشماسي يمضي في حوار مشوب بالشجن مع الطفل العراقي الرضيع الذي أنجبته والدته في الصحراء.

ويمكن تلمس تأثير المدارس الفنية الآتية من الشام ولبنان ومصر في شعر الشماسي الأخير، لكن انفتاحه على مدارس ومشارب فكرية وأدبية متنوعة لم يغره في مغادرة عمود القصيدة المقفاة أو يوصله لكتابة قصيدة النثر أو يغير انتماءه عن المدرسة الخليلية.

كما ظل وفيا لأغراض الشعر القديمة، كالمدح والرثاء والغزل، وديوانه «عنوان الحب» يحتوي على نحو 50 قصيدة من هذه الفنون، وفيه يقول:

أيها الشادن صب الحب

في الفنجان خمرا

ودع الفنجان مثلي

يصطلي القهوة سكرا

هو مثلي، فكلانا عاشقان منك ثغرا

فدع الثغر على الثغر،

دع الأنفاس تضرى

كل حب نظري هو بالتطبيق أحرى

وكان الشاعر الشماسي شديد الصلة بشاعر آخر معروف بالجزالة والأصالة، هو الشاعر عدنان العوامي، وشاء القدر أن يلفظ أنفاسه الأخيرة على نحو مفاجئ خلال لقاء جمعهما معا، وهو الحدث الذي هز الشاعر العوامي، وكتب في صديقه القديم قصيدة تنبض بالأسى، عنوانها «نين الجرح»، يقول فيها:

شريك الهوى، هاك العويل بلا فم

رفيق المدى، هاك الوريد بلا دم

وهاك ضلوعي النازفات تكسرت

بها عبراتي، كيف يهمي بها فمي؟

ولا تلحني إن لم تنز فواصلي

ويضرى - بأبياتي - ندى الجرح عندمي

ملاذ القوافي بعدما اغتيل نبضها

وكفن في ليل من الغم معتم

بعفوك أن تلقى لها العذر أنني

أصارع مأساتي بفقدان ملهمي

بستين عاما من هوانا تناثرت

وزندك لي زندي، وكفي ومعصمي

ترشفني فيها الصفاء فاحتسي

ودادك معسولا، وتستاف علقمي

فما ضقت ذرعا بي ولو ذات ومضة

ولم تلقني آنا بغير التبسم