مجتمع نبضُه الحب

لن أتحدث عن جمهورية أفلاطون المثالية أو مدينة الفارابي الفاضلة، ولكني سأتحدث عن مجتمع نعيش فيه، نعرفه ويعرفنا.

كل مجتمع في عالمنا الإسلامي ينبغي ويمكنه أن يتحول إلى مجتمع الفضيلة الذي نقرأ عنه كثيرا، ونتخيله في اليقظة، ويزورنا في المنام رغبة منه في فتح بصائرنا على آفاقه الرحبة لعلنا نبدأ بجد رحلة السعي لتحقيقه على أرض الواقع.

السمات التي يتصف بها مجتمع الفضيلة الإسلامي يمكن تصيدها من خلال النصوص الكثيرة في القرآن الكريم والسنة الشريفة. نذكر هنا سبعا منها لنعرف مدى قربنا أو بعدنا عنها:

أولى تلك السمات: هي سيادة لغة الرحمة بين مختلف مكوناته «رُحَماءُ بَيْنَهُم». فالعلاقات الأسرية داخل البيت الواحد تقوم على الرحمة في كلماتها وعباراتها وأفعالها. وكذلك بين أفراد المجتمع الواحد يكون التراحم سيد اللغات والمواقف، حتى في أصعب الظروف. ومن سحائب الرحمة تتنزل مفردات الإيثار والتكافل والتآزر والتعاضد والتعاطف والتسامح وغيرها.

ثانيها: التزامه برابطة الأخوة الإيمانية بين أعضائه «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ». قد يختلفون، ولكنهم يظلون متمسكين بعرى الأخوة، لا يتخلون عنها أبدا.

ثالثها: قيامه على الولاية المتبادلة داخله، مما يجعل المسؤولية الاجتماعية مشتركة بين أفراده، ويجعلهم عند الالتزام بها مؤهلين لنيل الرحمة الإلهية. وهو ما يظهر من تأمل الآية الكريمة «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ».

رابعها: سعيه الدؤوب لتكوين بيئة نظيفة خالية من الأمراض الاجتماعية الفاتكة، كالحسد والحقد والتباغض والتشاحن، والتي تعتبر مناشئ للكثير من الظواهر الخطيرة كالسخرية والاستهزاء والغيبة والبهتان والنميمة وسوء الظن. وفي سورة الحجرات وغيرها توجيهات ربانية عظيمة في هذا الشأن.

خامسها: مناعته الحصينة ضد الشائعات المغرضة والاتهامات الباطلة وكل ما يتسبب في تفكيكه وتفريقه وتمزيقه. ولعل أقوى الأسلحة المناعية الدفاعية التي يستخدمها لصد الهجمات عليه يتمثل في الشعور بوحدة النفس بين نفوسه المختلفة. لنتأمل في قوله تعالى «لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ»، حيث عبر عن الآخر بالنفس، وأن على كل واحد أن يظن بأخيه الذي هو نفسه خيرا.

سادسها: العمل الجمعي التعاوني في مجالات الخير كافة، التزاما بقوله تعالى «وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ».

سابعها: عدم هدر طاقاته في النزاعات والصراعات والخلافات الجانبية «وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ».

هذه بعض سمات المجتمع الذي ينبض بالحب آناء الليل وأطراف النهار، وهو حلم الواعين المخلصين الذين يطمحون لتحقيقه برغم ما يكتنف ذلك من صعوبات وعقبات، ولكنه حلم يستحق ما يُبذل من أجله.

دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا

شاعر وأديب