في وجه الانحراف

كل عام تتجدد الدعوات الى اخراج كربلاء من الدمعة الى العبرة... من الاكيد ان لنا في رسول الله واهل بيته اسوة وقدوة وان حياتهم بما تتضمنه من قول وفعل وتقرير حجة علينا.... لكن المشكلة هي دعوة الخروج من الحزن والجزع الى ساحة الفكر والوعي، المشكلة ليست في الدعوة الى الوعي. لكنها في الدعوة إلى ترك الحزن.

هذه الدعوات غريبة ويظهر من صاحبها وكأنه لم يطلع على شيء من روايات اهل البيت او انه اطلع لكن الروايات لم تعجبه، ولم تناسب مزاجه، دون التفات منه إلى أن للعقل حدود وليس من مقدوره التوغل في كل أمر، فيحسب ما ليس عقل بعقل.

المهم: من قبل كربلاء اكد القرآن والسنة الشريفة على ضرورة الاقتداء والتأسي باهل البيت ، وأخذ الدروس منهم أمر بديهي يدركه أي شيعي موالي... مسألة الحزن ظهرت في كربلاء بشكل واضح وإن كان الحزن قد ظهر من رسول الله صلى الله عليه واله في وفاة زوجته خديجة وعمه أبو طالب حتى سماه عام الحزن وحزنه على عمه الحمزة هذا بغض النظر عن الروايات التي وردت عن رسول الله بخصوص الحسين عما سيجري عليه من فجائع تبكي سكان السماوات قبل سكان الأرض، أما ما بعد كربلاء فنجد أن الإمام زين العابدين كان يستفيد من كل موقف يراه للإشارة الى كربلاء... ورواية: عندما رأى الجزار يذبح فسأله الامام هل سقيته وذكر الحسين ، وبكى على ابيه الحسين «عليهما السلام» عشرين سنة او اربعين سنة وما وضع بين يديه طعام الا بكى حتى قال له مولى له: جعلت فداك يابن رسول الله اني اخاف عليك ان تكون من الهالكين! قال: إنما اشكو بثي وحزني الى الله واعلم من الله مالا تعلمون أني لم اذكر مصرع بني فاطمة الا خنقتني لذلك عبرة.

ورواية الامام الصادق إذا دخل محرم لبس السواد وما قدم له من طعام او شراب الا مزجه بدموعه حزنا على جده الحسين عليهما السلام والامام الرضا: يوم الحسين اقرح جفوننا وأسبل دموعنا وأذل عزيزنا. وعن ريان بن شبيب عن الامام الرضا في حديث: يا بن شبيب، إن كنت باكيا لشيء فابك الحسين بن علي ، فأنه ذبح كما يذبح الكبش، وقتل معه من اهل بيته ثمانية عشر رجل مالهم في الارض شبيهون ولقد بكت السماوات السبع والارضون الى ان قال: يا بن شبيب، إن بكيت على الحسين حتى تصير دموعك على خديك غفر الله لك كل ذنب اذنبته صغيرا كان او كبيرا، قليلا كان او كثيرا. يا بن شبيب ان سرك ان تلقى الله عزوجل ولا ذنب عليك فزر الحسين يا بن شبيب ان سرك ان تسكن الغرف المبنية في الجنة مع النبي «صلى الله عليه واله» فألعن قتلة الحسين . أما الحجة عجل الله فرجه الشريف فقال: لأندبنك صباحا ومساء ولأبكين عليك بدل الدموع دما.

هذا غيض من فيض فالروايات الواردة في مقام التأكيد على الحزن والجزع والبكاء على الامام الحسين كثيرة ولا يمكن لاحد تجاهلها... منها أيضا ما رواه ابو جمزة الثمالي «إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن علي ، فإنه فيه مأجور»

فهذه هي الروايات التي يفهم منها اهمية الحزن بل واهمية الاجر والثواب لان بالحزن يكون التخليد لذكرى الحسين بل لذكرى اهل البيت جميعا فقد ورد في الرواية عندما سئل الامام الصادق لما ذا مصيبة الحسين من أعظم المصائب فقال له الامام: انه بذهاب الحسين الذي هو آخر اهل الكساء والذي كان بقاءه سلوة للناس كان ذهاب جميع اهل الكساء لعدم بقاء أحد منهم .

فقد توضح مما ذكرناه: أنه لا خلاف في مسألة الاعتبار والاتعاظ والتعلم من سيرتهم والدعوة الى الحزن لا تنافي الدعوة الى التفكر والتعلم والوعي لأنهم هم القرآن الناطق فهم نطقوا بضرورة التعلم في موارد وحزنوا واوصونا بالحزن في موارد أخرى.

نسأل الله ان نكون من البكاءين ليلا نهار على المولى ابي عبدالله