الفريضة الغائبة في القطيف

حينما تريد خلق مجتمع نوعي لابد أن تنظر للزمن الذي يعاصره وتحقق مواكبته له من خلال احتياجاته واستكمالها، ففي حين أن الدول المجاورة تتقدم فإن التخلف التنموي الذي يطرقه مجتمع ما في إحدى مناطق الدولة كفيل بأن يضع تراجعاً واضحاً على تقدم الدولة، على الخصوص إن مثل أكبر تعداد سكاني فيها. فلو أن سباقاً أو جائزة ترصد تقدماً أو تحدياً ما في أي مجال لابد من تحقيقه بتحكيم منصف وشرعنته على حقيقته فلا ينبغي أن تتفاخر بتقدم دولة ويوجد جزء كبير منها لا يشهد على ذلك.

ترجمت أرقام الإمتياز التنموي التي حققتها المملكة مؤخراً في تقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة لعام 2014 أنها أنصفت الإنسان في مختلف مناطق الدولة بتحقيق حقوقه التنموية. حيث يرصد التقرير التقدم البشري باستخدام دليل التنمية البشرية وهو مقياس يضم مؤشرات ترصد 3 أبعاد ممثلة في «الصحة والتعليم والدخل» ويضاف لها طموح المملكة في تحقيق التنمية والتي أخذت على نفسها تحقيقه في خطة التنمية التاسعة لنظام الحكم لعام 13435/1436 والذي جاء ضمن أهدافه موازنة التنمية بين مناطق المملكة. مما نستنتج توجه المملكة المركز في تحقيق التطور والتقدم.

المملكة إن استحقت أن تحتل المرتبة 34 والثانية عربياً في تقرير الأمم المتحدة الذي نالته من بين 187 دولة هذا العام بعد أن كانت في المرتبة 57 في العام الماضي وهو فرق شاسع فهي حققت مقياس الأمم المتحدة في التنمية البشرية «الصحة والتعليم والدخل»، وحتى نشرح تفصيل هذا الفستان الذي زُفت به المملكة فالقطيف هي شق كبير فيه لا يُرقع وتشهد على ذلك إحصائيات الدولة التي لم تراجعها الأمم المتحدة على ما يبدو أو لم توردها المملكة في الرصد، فهل اعتبرت القطيف من نسيج فستان زفاف التنمية هذا؟؟!، وهي الممتدة على الساحل الشرقي وذات الكثافة السكانية الأعلى وصاحبة أكبر نسبة سعوديين في المملكة؟؟.

لم تعتمد الأمم المتحدة في تقريرها هذا العام على ما تحققه الدول من إنجازات على صعيد الموارد المالية فحسب بل ليشمل منظومة متكاملة لحق الإنسان بعيش حياة كريمة مديدة، والتحصيل العلمي والمعرفي، والتمتع بمستوى معيشي لائق، فلا نعلم هل قاست الأمم المتحدة مقاييسها ومنظومتها المتكاملة للإنسان السعودي على أن القطيف خارج الخارطة السعودية؟؟!.. فالمملكة باتت تقترب لمراتب أكثر تميز عاماً بعد عام بقفزها لنصف العدد الذي مثلته في مرتبة العام الماضي، في حين أن مرتبتها الثانية عربياً التي حققتها كما ذكر التقرير تعتبر مرتبة امتياز تنموي على مستوى العالم العربي!.

وفي الخطة التنموية التاسعة تهدف المملكة لتحقيق تنمية متوازنة بين مناطقها وتقليص درجات التباين بين مستويات التنمية فيها. وتحرص الخطة على أن تحظى المناطق ذات المستويات التنموية التي تحتاج رعاية خاصة بأولوية في توزيع البرامج والمشروعات، وتحرص على توفير المستوى المعرفي المطلوب لدعم الاقتصاد الوطني ورفع المستوى المعيشي. إلا أن القطيف تهمش في هذه الخطة في حين أن المطالبات الأهلية تلفت وبقوة انتباه الجهات للحاجة التنموية المستحقة للقطيف على جميع المعايير الحكومية للدولة.

القطيف هي أعلى كثافة سكانية بالمملكة وتعتبر أقدم حاضرة على الساحل الشرقي، إضافة لأنها تتوسط المنطقة الشرقية ويسكن فيها أكبر نسبة سعوديين بنسبة 87% على مستوى المحافظات في المملكة، وتقع على اكبر حقول النفط في العالم، وتتوسط الشركات والمعامل الكبرى في المنطقة الشرقية في القطاع البترولي والصناعي والتحلية، والمدن الصناعية والتجارية الكبرى في المملكة، ويعد موقعها موقعاً سياحياً استيراتيجياً استناداً لوقوعها على البحر وباعتبار أنها من أكبر واحات النخيل فيها، كما تضم عمق تاريخي وحضاري يرجع لآلاف السنين فعلى سبيل الذكر آثارها تمثل 60% من متحف الرياض الدولي، كما دعمت القطيف اقتصاد الدولة منذ بداية قيامها إلى ما قبل البترول، ولم تنتهي من ذلك فالبترول ينبع من أراضيها.

على مقياس الصحة للأمم المتحدة تتذيل القطيف قائمة الكفاية السريرية كأدنى كفاية على مستوى محافظات المملكة. وتشمل المنظومة الصحية للأمم المتحدة حماية البيئة مما يمسها من ملوثات تلحق الإنسان بأضرار صحية في المدى القريب والبعيد، تعتبر المنطقة الشرقية ذات معدلات عالية في أمراض السرطان والقطيف لها النصيب الأكبر ولا يوجد بها مركزاً واحداً للتشخيص المبكر لذلك المرض، كما تتعرض الرقعة الزراعية فيها للتصحير، وهذا ما يتعارض مع معايير التنمية المستدامة التس تتبعها الأمم المتحدة، فلا توجد قرارات تمنع تحويل الأراضي الزراعية لمخططات سكنية كباقي مناطق المملكة. وترصد الدراسات البيئية تعرض البيئة الزراعية والبحرية في القطيف لنسب عالية من الملوثات بسبب الردم والملوثات الكيماوية والصرف الصحي وغياب الرقابة، والبديهي أن جميع ما ذكر سابقاً لها لواحق سلبية على صحة الإنسان والحيوان والنبات والتوازن الطبيعي للبيئة.

محافظة القطيف هي رابع أكبر تعداد سكاني في محافظات المملكة الكبرى من فئة «أ» من بين 43 محافظة وجميع المحافظات وبعض قراها تتوافر فيها جامعات أو أفرعها، ووحدها القطيف لا تمتلك منشأة تعليم عالي واحدة، فلا وجود للتعليم العالي فيها على الرغم من امتيازها بالمعايير الحكومية التي تفرض إقرار جامعة على أرضها، وعلى الرغم من رصد دراسة قام عليها أكاديميون تثبت بإحصائيات الدولة أن القطيف تستحق مدينة جامعية.

وعلى الرغم من مطالب أهالي القطيف منذ 20 سنة لإنشاء جامعة، وتسليم دراسة التعليم العالي لوزير التعليم العالي في العام الماضي إلا أن المطلب ما زال معلق للآن وبعد مرور سنة من حملة المطالبة والتي شارك فيها جميع فئات المجتمع وأطيافه من القطيف وخارجها لم تقر الجهات الرسمية إنشاءها، كما لم تتبع أي محافظة من محافظات المملكة هذا الأسلوب المطلبي العلمي البحت والذي يعد هو الأرقى في المطالبة بالحقوق التنموية.

ويرجعنا هذا إلى أن الأمم المتحدة في تقريرها رصدت بجانب مقياس دليل التنمية البشرية ما تحققه الدول للإنسان من التحصيل العلمي والمعرفة، فهل رصدت أن ابن القطيف لا تتوافر له جامعة واحدة في محافظته، وأقرب المحافظات من القطيف تحتوي على الأقل 3 جامعات في حين أن القطيف تتفوق عليها بالمعايير الحكومية في الحجم السكاني وحجم المجتمع الطلابي التي تبين حاجة القطيف الملحة لجامعة. وبالنظر إلى أن جامعة في القطيف تعد مكسباً لخطة المملكة التنموية في موقعها الاستيراتيجي الذي سيكون موقعاً لها يتوسط جميع ما ذكر سابقاً.

ومع نسبة السعوديين الأعلى التي تمتاز بها القطيف والتي ستكون داعماً لسوق العمل ورفع اقتصاد الدولة في ظل توسع الشركات والمصانع المحيطة بها، تحتوي القطيف على مخرجات تعليم بتأهيل جامعي، فنجد أن 80% من تلك المخرجات من أبنائها لا تقبلهم الشركات المرموقة كأرامكو وسابك وغيرها إلا ما ندر وكذلك الوظائف الحكومية الكبرى. فلا يكون مصيرهم إلا للمؤسسات الصغيرة والشركات ذات العقود السنوية حيث لا يوجد أمان وظيفي بها. وهو ما يرجعنا لمقياس الدخل الذي ينبغي أن يتوافر في سبيل تحقيق التنمية البشرية وتحقيق الدخل للفرد نفسه بمقاييس الأمم المتحدة وإنصاف المملكة له بأهدافها التنموية في خطتها.

وتحت مقاييس الأمم المتحدة ما زالت القطيف لم تنصف في خطة المملكة التنموية فهي لم تمكن القطيف لأن تصبح ضمن المنظومة المتكاملة التي تحاول أن تصنع منها التقدم، فالأزمة السكنية التي يشهدها أهالي القطيف مختلفة بشكل فظيع، فاختناق الأهالي بالحدود الغربية المستملكة من أرامكو ووزارة الدفاع وما تبقى منها ممنوح لمواطنين من خارج القطيف دفع أهالي القطيف لقتل الزرع والبحر ردماً للسكن عليها، فعندما لا تتوافر لهم سبل العيش اللائق دون الحاجة لتشويه منازلهم لتحقيق التوسع والعيش براحة فلن يلجأوا لتدمير البيئة لتحقيق ذلك، حتى أن أسعار الأراضي بالقطيف تصل لأرقام خيالية لا تماثل أسعار الأراضي السكنية في سائر أرجاء الوطن، وهي تحتاج لحلول رسمية داعمة ومنصفة.

والقطيف لم تنصف في توزيع الوحدات السكنية الذي كشفت عنه وزارة الإسكان مؤخراً عن منتجات الدعم السكني للمرحلة الأولى فهي الأدنى نصيباً على مستوى المملكة قاطبة في هذا التوزيع بالنظر للنسبة والتناسب مع عدد السكان فيها إذ خصصت لمحافظة القطيف 1311 وحدة من 46 ألف وحدة سكنية للمنطقة الشرقية وهي مايعادل نسبة 2.85% في حين أن سكان القطيف ما يقارب نصف مليون نسمة يحتاج 75% منهم لمسكن وهو ما يوضح مدى عدمية الإنصاف.

أي امتياز تنموي حققته المملكة في هذا الجانب الشرقي منها المملوء بما يستغل لصالح رفع الاقتصاد الوطني، حيث تزداد الفوارق بين القطيف ومناطق المملكة ومحافظاتها وتزداد أكثر بين المملكة ودول الخليج، وإن كانت الإنجازات المالية يرفعها البترول وإن كانت الصحة توفر مجاناً من مال الدولة للمواطنين وإن كان التعليم يتوافر غرب ووسط المملكة بجامعات على مستوى عالي وعالمي، فذلك لا ينصف ولا يتزن على مستوى المملكة ولا ينصف القطيف على كل المزايا التي توافرت فيها وذكرناها.

فلو قورن الإنصاف من خلال موازنة التنمية بين مناطق المملكة فمحافظة جازان بذات امتيازات القطيف بل وأدنى منها في البعد الحضاري والكثافة السكانية، فقد كانت جازان منسية تنموياً إلا أن شواهد الاختلاف تبين أن جازان صارت تنشأ اليوم على أراضيها أكبر المدن الصناعية والموانئ ومشاريع الإسكان وتعتبر مستقطبة للسياح فمن جعل من جازان المنسية بهذه الاستيراتيجية التنموية نتمنى أن يجعل من القطيف بتلك الأهمية الاستيراتيجية.

فلا معيار التعليم ولا السكن، ولا دخل الفرد، ولا الصحة تحققت بين معايير التنمية البشرية لمنظمة الأمم المتحدة، ولحتى عبر الخطة التنموية للمملكة.

وتلك رسالة واضحة لأصحاب القرار لتحقيق ما تستحقه القطيف من تنمية تدركها العقول المنصفة.





المصادر:
-المؤسسة العامة للإحصاء
-وزارة الصحة
-وزارة التعليم العالي
-دراسة التعليم العالي
-دراسة التلوث البيئي
-ساحل الذهب الأسود
-استطلاعات لدراسة الأزمة السكنية في القطيف