حب أبوي فريد

لأنه الأنقى والأصفى والأطهر والأشرف والأفضل، فلا بد أن يكون حبه كذلك. النبي المصطفى هو مدرسة الحب الأولى التي ينبغي أن تنهل منها البشرية جمعاء ليتغير حالها ولتقترب من إنسانيتها أكثر وأكثر بعد أن ابتعدت عن فطرتها السوية وتاهت في ساحات الصراعات البائسة.

ما يؤسف له أننا كمسلمين فشلنا في تعريف العالم بنبينا الأكرم بالشكل الذي يليق بمقامه وقدره، وهو الذي قال عنه الشاعر حسان بن ثابت:

وأَحسنُ منكَ لم ترَ قطُّ عيني... وَأجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النّسَاءُ

خلقتَ مبرءاً منْ كلّ عيبٍ... كأنكَ قدْ خلقتَ كما تشاءُ

وأبلغ من ذلك قول الله تعالى فيه وهو يتحدث عن أثر من آثاره الشريفة واصفا إياه بالعظمة «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ».

وإذا كنا قد فشلنا في تعريف العالم بشخصيته العظيمة بسبب واقعنا الغارق في التخلف من قرنه إلى أخمص قدميه، فإن فشلنا في تعريفه كمدرسة للحب أجلى وأبين، لأننا نجحنا في بث الكراهيات المنفلتة في مجتمعاتنا نجاحا أبهر الأعداء، وجعلهم في غنى عن «فرِّق تسُد» بعد أن كفيناهم المؤونة، وأسقطنا عنهم ما كانوا يعتبرونه فرض كفاية.

من هنا كان الحديث عن مدرسة الحب النبوية ضرورة ملحة. وقد اخترت هنا جانبا واحدا من جوانب الحب الفياضة لديه، وهو حبه لسبطيه الحسن والحسين «عليهما السلام» والذي تجلى في صور شتى ولغات مختلفة كلغة الوقت واللمسات والتوكيد والتعبير عن الحب لهما وحب من يحبهما وبيان فضل حبهما للآخرين، أنقل بعضها دون تعليق تاركا للقارئ مهمة الوقوف عند كل رواية وتمعنها بدقة واستخلاص دروس الحب منها:

1 - جاء في المعجم الكبير للطبراني عن أبي أيوب الأنصاري: دخلت على رسول الله والحسن والحسين يلعبان بين يديه وفي حجره، فقلت: يا رسول الله أتحبهما؟! قال: وكيف لا أحبهما وهما ريحنتاي من الدنيا، أشمهما.

2 - في سنن الترمذي عن البراء: إن النبي أبصر حسنا وحسينا، فقال: اللهم إني أحبهما فأحبهما.

3 - في كامل الزيارات عن عمران بن الحصين: قال رسول الله لي: يا عمران، إن لكل شيء موقعا من القلب، وما وقع موقعَ هذين الغلامين من قلبي شيءٌ قط. فقلت: كل هذا يا رسول الله! قال: يا عمران، وما خفي عليك أكثر، إن الله أمرني بحبهما.

4 - في المناقب لابن شهراشوب عن معاوية بن عمار عن الصادق : دعا النبي الحسن والحسين قرب موته، فقبلهما وشمهما وجعل يرشفهما وعيناه تهملان.

5 - في تاريخ دمشق عن أبي هريرة: رأيت رسول الله يمص لعاب الحسن والحسين كما يمص الرجل التمرة.

6 - في صحيح ابن حبان عن عبد الله: كان النبي يصلي والحسن والحسين يثبان على ظهره، فيباعدهما الناس. فقال : دعوهما بأبي وأمي، من أحبني فليحب هذين.

7 - في مسند ابن حنبل عن أبي هريرة: خرج علينا رسول الله ومعه حسن وحسين، هذا على عاتقه، وهذا على عاتقه، وهو يلثم هذا مرة، ويلثم هذا مرة، حتى انتهى إلينا فقال له رجل: يا رسول الله، إنك تحبهما؟! فقال: من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني.

تلك بعض المشاهد المتوهجة بلغات الحب الأسمى، وما خفي عليك أكثر كما قال لعمران بن الحصين. فما أحوجنا لتطبيقها في بيوتنا أولا، وما أحرانا بنشرها ثانيا.

دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا.

شاعر وأديب