ويبقى الحسين

يقول الإمام الصادق مخاطباً جده الإمام الحسين : «وضمّن - أي الله تعالى - الأرض ومَن عليها دمك وثارك» [1] .

ونحن نستقبل هذه الأيام موسماً من المواسم الدينية العظمى ذات الطابع العقائدي والجهادي والعاطفي والتاريخي يحسن بنا أن نتعرض إلى أمور مهمة، علينا ان نضعها امامنا.

إن لشهر محرّم الحرام خصوصية وتميّزاً، فبحلول هذا الموسم الديني وبمجرّد أن يهل هلاله يتبادر إلى الذهن اسم الإمام الحسين سلام الله عليه، حيث قتل في العاشر منه مظلوماً شهيداً.

إنّ حزن شيعة أهل البيت بمناسبة مقتل سيد الشهداء الإمام الحسين «صلوات الله عليه»، وسائر مصائب أهل البيت ، وإحياء مراسم العزاء وإقامة شعائره، والإغراق في ذلك وتحرّي المناسبات له، ليست أموراً اعتباطية جرّهم إليها التعصب والشقاق، ولا هي عادات محضة أخذوها عن أسلافهم وجروا عليها تقليداً لهم، كسائر التقاليد والعادات التي تزاولها بعض المجتمعات، والتي ما أنزل الله بها من سلطان. وإنما هي نشاطات لها جذور دينية أصيلة، وقد قامت عليها أدلة محكمة رصينة.

و يذكّرنا شهر محرّم الحرام بمسؤوليتنا تجاه قضية الإمام الحسين سلام الله عليه، ومن جملة مسؤوليتنا أمور؛

الأول: لنتعرف على الإمام الحسين

التعريف بالحسين، سلام الله عليه وقضيته وجعله علماً بحيث يراه كل إنسان في شرق الأرض وغربها.

إن التعريف بالإمام الحسين صلوات الله عليه وقضيته من خلال إقامة مجالس العزاء والشعائر الحسينية، من جانب، والعمل على تحقيق هدف الإمام الحسين المتمثّل بإنقاذ العباد من جهالة الكفر وضلالة الباطل إلى نور الحق والإسلام والإيمان، من جانب آخر، هما ضمن المسؤولية الملقاة علينا جميعا تجاه الثأر للإمام الحسين سلام الله عليه.

الثاني: تحقيق أهداف الإمام الحسين

وهو الأهم، وقد جعل الأمر الأول طريقاً إليه، وهو متابعة أهداف الإمام الحسين سلام الله عليه.

إن شيعة أهل البيت يملكون ببركة أئمتهم «صلوات الله عليهم» وبفضل توجيهاتهم ـ تجمعات ثقافية لا يملكها غيرهم، وهي التجمعات التي يعقدونها كثيراً في المناسبات التي تخص أهل البيت «صلوات الله عليهم» في مواليدهم وأفراحهم واستشهادهم وأحزانهم. وهم يبذلون في سبيلها طاقات مادية ومعنوية هائلة.

وتمتاز هذه التجمعات بأنها تجمعات طوعية، يندفعون إليها وينشدّون لها تبعاً لروابطهم الدينية، المشفوعة بمزيد من التقديس والعاطفة، والمبتنية على ما تجذر في أعماقهم من الولاء لأهل البيت «صلوات الله عليهم». ونتيجة لذلك فهم يتفاعلون مع تلك التجمعات، ومع ما يلقى فيها من مواد تثقيفية تتناسب معها.

ومن هنا فاللازم أن يفوزوا بثمرات مناسبة لذلك في تثقيفهم دينياً، وشدهم عاطفياً نحو مبدئهم ورموزه الذين هم القمة في الكمال والقدسية والفناء في الله تعالى والتضحية في سبيله.

وليس من الإنصاف أن تكون نتيجة هذه التجمعات أحاديث وخطابات شكلية غير مثمرة، وتذهب تلك الجهود ضياعاً. فضلاً عن أن تبتني عن الانحراف عن الأهداف السامية التي أقيمت لها تلك التجمعات، ودعا لها أئمتنا صلوات الله عليهم، وحثوا شيعتهم عليها.

وإن من أهم هذه المناسبات واقعة الطف الكبرى، لما امتازت به من التضحيات الجسام من سيد الشهداء والصفوة من أهل بيته وصحبه «صلوات الله عليهم»، وتضمخت به من دمائهم الزكية، مشفوعة بالإباء والكرامة والمثاليات السامية والخلق الرفيع. وكان في مقابل ذلك من خصومهم المزيد من الظلم والطغيان والبشاعة والقسوة والخسة والإسفاف في الهبوط إلى الحضيض.

ثالثا: المحافظة على الطابع الديني

أن يحافظوا في تلك النشاطات على طابعها الديني والروحاني، وذلك بالحفاظ على حدود الله تعالى، وإقامة الفرائض عند حلول أوقاتها، وحسن الخلق، وحفظ اللسان، وصدق اللهجة، وغير ذلك، مما يناسب قدسيتها وانتسابها لأهل البيت «صلوات الله عليهم».

ولاسيما وأن هذه النشاطات والفعاليات تثقل على كثير من الناس ـ من الأعداء والمنحرفين ـ وهم يحاولون بجهدهم منعها. وإذا لم يستطيعوا منعها بالقوة يحاولون تتبع العثرات واستغلال الثغرات، وبث الدعايات الكاذبة، وتضخيم ذلك من أجل تهجين هذه النشاطات وتبشيع صورتها وتنفير الناس عنها، بنحو قد يبرر منعها، أو تحديدها وتقليصها.