أصوات ضد الطائفية

كان الرئيس الأمريكي الأسبق ليندون جونسون على مستوى عالٍ من الشجاعة عند توقيعه في 1964 على المشروع الذي تأخر مائة عام، مشروع قانون الحقوق المدنية، حين قال بكل شفافية:

«إننا نؤمن بأن جميع الناس خلقوا متساوين. ولكن العديدين محرومون من المعاملة المتساوية. إننا نؤمن بأن جميع الناس يملكون حقوقاً لا يمكن التصرف بها. ولكن لا يتمتع أميركيون عديدون بهذه الحقوق. إننا نؤمن بأن جميع الناس يستحقون نعمة الحرية. ولكن لا زال الملايين منهم محرومين من هذه البركات، ليس بسبب تقصيرهم، بل بسبب لون بشرتهم. »

مواجهة الحقيقة ليست بالأمر الهين، فنحن في العالم العربي لم نعتد ذلك كثيرا، فالمسؤول في واقع الحال لا يُسأل غالبا عن إخفاقاته، ويبقى في منصبه ما دام مرضيا عنه عند من هو أعلى منه سلطة. ولذا لا نسمع أحدا من المسؤولين يعترف بتقصيره في أداء مسؤولياته، أو يرغب في الرحيل من منصبه لأنه لم يقم بأداء مهامه بالشكل المطلوب.

في أعقاب حرب تموز 2006 على لبنان، قامت إسرائيل بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول الأداء السياسي والعسكري للحكومة والجيش أثناء الحرب لاستخلاص الدروس ومعرفة أوجه القصور والتقصير. تفعل ذلك من منطلق محاسبة الذات ومواجهة الحقيقة دون مكابرة أو مزايدة.

هذا ما نحتاجه اليوم لمواجهة الطائفية التي تعصف بمجتمعاتنا العربية والإسلامية. فالمسألة تبدأ بالاعتراف بوجود المشكلة، ثم التصدي لها على جميع المستويات ثقافيا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا. قد نطالب بإصدار قانون يجرم الممارسات الطائفية وكافة أشكال التمييز، وهذا مطلب مشروع ومهم. ولكنه على فرض صدوره سيظل قاصرا عن أداء وظيفته، ما دامت الثقافة المنتجة للطائفية متوغلة في بنيتنا العقلية، إذ التحايل على القوانين ليس بالمهمة العسيرة، كما أثبتت تجربة السود في أمريكا وغيرها من التجارب حول العالم، حيث كان يتم انتهاك القانون باسم القانون. التعديل الرابع عشر على الدستور الأمريكي لم يتم تطبيقه إلا بعد 86 عاما من المصادقة عليه.

المثقف يمكنه أن يلعب دورا رئيسا في مناهضة التمييز وبث ثقافة التسامح والتعايش بين الطوائف المختلفة، ويمكنه بشكل أو بآخر أن يدفع السياسي لاتخاذ القرارات الضرورية والمصيرية في هذا الاتجاه. وكما كان للعديد من الليبراليين البيض مساهمة في مكافحة التمييز ضد السود انطلاقا من مبادئهم الليبرالية، فإن مسؤولية المثقفين من خارج الطائفة التي تتعرض للتمييز أكبر من غيرهم في صنع وعي جديد يتجاوز المحنة ويتطلع إلى أوطان ينعم كل فرد فيها بحقوق المواطنة المتساوية مع الآخرين بغض النظر عن انتمائه المذهبي.

إن الأصوات الثقافية التي ارتفعت ضد محاولات أحدهم استيراد الفتنة الداعشية بزج اسم طائفة ومنطقة من الوطن في الممارسات الإرهابية لتلك المنظمة في العراق، هي أصوات تستحق أن ترفع لها قبعات الاحترام والتقدير، لأنها تنبهت ونبهت إلى الخطر الذي يمكن أن ينتج عن الخطابات غير المسؤولة وأثرها المدمر على السلم الاجتماعي.

تحية لكل من عزيزة المانع وعبده خال وتركي الدخيل على مقالاتهم في جريدة عكاظ «أيها الشيخ دعها نائمة، كأس عالم ومذهبية قبيحة، اعزلوا التطرف عن المذهبية» وتحية لكل من كتب ضد الطائفية بشكل عام من غير هؤلاء.

شاعر وأديب