العلماني والفهم التجديدي للنص الديني

دائماً مايخرج البعض بكلمات وأفكار تحاول في طياتها قلب الحقائق وتمرير بعض مايؤمنون به، ويغلفوها في قوالب الحداثة والتنوير تارة وفي قالب الفهم الجديد والمتطور للنص الديني تارة آخرى!، فالنص الديني الأن أصبح عرضه لبعض العلمانيين والحداثيين، حيث يدعون لقراءته بشكل متجدد متحرر.

فالبعض اتجه بقوله بأن الخلفيات الفكرية والنفسية والعادات والتقاليد عند المفسر هي التي تشكل الفهم للنص الديني، وهي التي تعطيه اتجاهاً ولوناً وطعماً ونكهةً واستنتاجاً معيناً!

فليس هناك معنى يحمله النص، وإنما المعنى وليد الأفق المعرفي الذي يحمله المفسر أو المؤول للنص، وبما أن الآفاق تتباين بتباين الظروف والحالات والمسبقات المختلفة، فلا يمكن أن يكون هناك معنى واحد يمثل مرجعاً للنص!

فعندما ينفتح المفسر على النص فإنما ينفتح عليه بذاته المشبعة بطابعه الشخصي، فيتلون النص ويتشكل بالطابع الشخصي، فعليه لاتكون هنالك حقيقة واحدة! وانما الحق ماتفهمه أنت وما أفهمه أنا ومايفهمه الأخر! لعدم وجود فهم معياري للنص!!

ونتيجة هذا الرأي: أن تتدفق المعاني بلا حدود أمام كل نص، بحسب الأشخاص ومايحملونه من خلفيات فكرية ونفسية وماأشبه مما يعني إفقاد كل الوثائق واللوائح والقوانين قيمتها وحجتها ومرجعيتها!!

والمشكلة والمعضلة في هذه الرؤية ومتبنيها إنه لايستقر حجر على حجر، فليست القضية مجرد نظرية اطلقت في مبحث لغوي معزول، ثم اعطيت بعداً فلسفياً معرفياً معيناً، كلا وإنما هذه القضية تتدخل في كل آية كريمة رواية شريفة، وبكل فهم، وبكل تشريع، وبتعبير آخر تستلزم الفوضى المعرفية المطلقة، ويبدو أن هذا مايريده بعضهم إما عن جهل أو خبث وذلك بهدف لي النصوص ومفهوما الراسخ لدى المتدينين لتخدم افكاره ورؤيته ومشروعة!!

فالمعرفة عند بعض العلمانيين تتغير بتغير الزمان والظروف وعكسوا ذلك أيضاً على الأحكام الشرعية، فعندهم بعض الأحكام الشرعية نسبية ايضاً وتتطور بالتقدم والتكنولوجيا، وهذا بلا شك يعد شكل من أشكال التمرد على واقع الدين والتشريع ولكن بغلاف النسبية، فبدل القول بخطأ النبي صلى الله عليه واله والعياذ بالله، يقول ان الحكم كان لمراعاة ذلك الظرف والزمن، مما يعني تخطئة استمرارية الشريعة وتخطئة « حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام الى يوم القيامة »!!. «1»

فما يميز الفقه الإمامي المرونه وإن باب الإجتهاد فيه مفتوح وذلك في كل زمان ومكان ولكن ذلك عن طريق أهل الإختصاص ووفق ضوابط ومرجعيات محددة سأوردها لاحقاً، ولكننا نجد بعض هؤلاء العلمانيين المتلبسين بلباس الدين والذين لا يضبطهم ضابط، والذين غالباً ما يؤثر على حكمهم مرجعياتهم وخلفياتهم الأهوائية والذاتية والمصلحية وما أشبه، نجدهم يناقشون بكل صلافه الفقيه في حكمه الفلاني! وذلك من باب إن الفهم للنص الديني نسبي ويختلف من فقيه لأخر وذلك بحسب الأجواء والخلفيات المحيطة بهذا الفقيه أو ذاك أو يأخذ برأي أحد الحداثيين الشيعة كـ عبدالكريم سروش ومقولاتهم العلمانية ولكن بنظرة وصبغة دينية، فيقولون مثلاً «ان دين كل أحد هو عين فهمه للشريعة »

فيرد سماحة آية الله السيد مرتضى الشيرازي على من يؤمنون او يستشهدون بهذه المقولة بما يلي: «إن هذه المقولة لايمكن قبولها لانها تؤسس لمطلق الفهم الفوضوي، وتستبعد اي نوع من الفهم المنظم الذي يرتكز على منهجية خاصة منضبطة وعلمية، فكيف نستطيع ان نحاكم فيها افكار الاخرين اذا لم يكن هنالك اعتراف بمنهج علمي محدد في المعرفة! فهنالك سبل علمية وضوابط وقيود موضوعية لعملية فهم النصوص وخصوصاً النصوص الدينية! والصحيح القول ان دين كل احدٍ هو عين الفهم المقنن والمنضبط للشريعة! »

ويورد سماحته الخطر المحدق لهذا المسلك بما يلي « في قوله تعالى ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي «2»، فلا يكون فيها في مسلك النسبية وقراءة النص الفضفاض - الصلاة المعهودة والمعروفة لدى الجميع، وإنما كل أحد يمكن أن يجد المعنى الذي يناسبه للصلاة، وهذه المعرفة تتشكل بحسب خلفيات والأفق المعرفي للمفسر، ولعل النسبي أو الهرمونطيقي لا علم لديه بهذا الرأي ولكنه يؤسس لذلك بلغه عصرية وضمن إطار أوسع ويشمل الدين بكل أسف. »

والسؤال المهم الان، لماذا خصصوا الشريعة! بهذه النظريات!، وفتحتوا الباب فيها لكل فهم!، سواء أكان فهم المتخصص أم لا، فإذا كان من حق الإنسان أن يفهم كما يشاء ويعتبر هذا الفهم هو عين الحق والواقع بتفعيل عقله!، فلماذا لا نفتح هذا الباب في كل العلوم والمعارف!، فيكون فهم الإنسان في الطب والهندسة وعلم النفس والقانون هو عين الطب وعين الهندسة وعين علم النفس والقانون!!، فهل يستقر حجر على حجر بذلك؟، هل يقبل شخص عاقل بذلك!، لأن هنالك واقعاً لعلم الطب والهندسة وعلم النفس والقانون وغيرها من العلوم ويكون الفهم مطابقاً لذلك الواقع، فكما لا يحق لإنسان ليس متخصصاً في علم الطب أن يمارس مهنة الطب، كذلك لايمكن أن يقبل أن يكون الدين وما أراده الله من البشر وما وضعه من مناهج ودساتير وأحكام هو عين ما يراه الإنسان ويريده وإن كان فهمه غير منهجي ولا على الأصول والقواعد العقلائية!

فالقائلين بهذه الاقوال من علمانيين ومنحرفين يريدون من هذه التفاسير الحصول على غطاء شرعي يشرعن لهم مايسعون إليه!

في خلاصة: لأي فهم للنصوص الدينية هنالك آليات وضوابط ومراجع لمن يريد الخوض فيها.

والمرجعيات للفهم على قسمين:

1 - مرجعيات باطنية في الداخل كالعقل والفطرة وملائكة القلوب.

2 - مرجعيات ظاهرية هم الانبياء والرسل والأوصياء وهذه المراجع الخمسة هي المرجع والمحك التي تصفي المعرفة الدينية الخاطئة من الصحيحة!

فالنص الديني له اتجاه وله شكل وله لون وله حدود وله مرجعية في داخله أو في سياقه أو في القرائن الحيطة به، وله ضوابط، وله أسس وله اسباب وله نتائج ولايمكن قراءته دون الرجوع لهذه المراجع الخمسة.

(1) بصائر الدرجات ص 148 ب 13 ح 7
(2) طـه:14
التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 3
1
Hussain Jawad
[ Saihat ]: 22 / 5 / 2014م - 4:06 م
أحسنت .. جعلك الله رضوانا في الدنيا ورضوانا في الآخره ..
2
مجتبى آل عمير
[ القطيف - الخويلدية . ]: 22 / 5 / 2014م - 10:18 م
مقال جميل تعيبه النتائج المتسرعة ، لا أحد يقول بالفوضوية التي وصفتها هداك الله ، أدعوك لإعادة القراءة والتأمل .
3
فيصل الحرز
[ ام الحمام ]: 1 / 6 / 2014م - 9:54 م
احسنت استاذنا العزيز وسلمت اناملك