الشعارات بين السياسة والدين

الشعار هو عنوان عام وفلسفة محددة تحكم النشاط العام لمن يرفعه ويتبناه سواء كان فرداً أو مجموعة أو مؤسسة أو حتى دولة في فترة زمنية معينة، ومن هنا أنطلق من مبدأ بسيط بأن الشعار يظل شعاراً إلى أن يتحقق. فعندما يتم إطلاق ورفع الشعار فإن مطلقه يريد من خلاله ترسيخ مبدأ في اذهان الجماعة المحيطة به من المؤمنين بتوجهاته وافكاره، ثم السعي لتحقيقه بما يملكه من ادوات.

لقد تم رفع شعارات عديدة تنتمي إلى منظومات إيديولوجية ليبرالية واشتراكية ورأسمالية وعقدية.. وكثيرا منها بقي معلقا في عنق من رفعه، لا يتعداه، ومع مرور الوقت خفت بريقها أو مع تغير المصلحة السياسية تعارضت مع مأرب رافعها، وهذا يعتبر مغايراً بالنسبة للشعارات التي انطلقت من منطلقات دينية، حيث كان الشرع الغطاء والحامي لها والضامن لتحقيقها على أرض الواقع ولو بعد حين!

فكثير من الشعارات السياسية ولَّدت جواً من الإرتباك السياسي، وكان من بين أسباب عزوف الناس عن السياسة، وعدم ثقتهم في الأحزاب.. لأنها علمتهم ببساطة، أن لعبة السياسة شعارات.

ولكن الأشد خطورة هو استغلال بعض الأحزاب الحاكمة أو الطامعة للسلطة للشعارات وتغليفها بالغلاف الديني أو ربطها بالشعارات الدينية المقدسة مما يشكل حالة من التشويش والخلط لدى المتلقي وخصوصا بعد انتفاء المصلحة بوجود هذا الشعار وجحد به من رفعه وطبل له مرارا!

فبعيد إنتصار الثورة الإيرانية بقيادة السيد الخميني عام 1979 م، قام برفع شعار ”الدولة الإسلامية“ ودعى لانتخابات تصوت لصالح هذا المسمى!، مما شكل أكبر تحدّ سياسي، ولم تستطع لهذا اليوم أن تتقدم في إنجاز ذلك على الأرض.. ولعل من أسباب فشل تطبيق الإسلام في الحكم الى كون حكامها يضيقون ذرعاً بالحريات والإستماع للرأي الاخر إلى حد فرض الإقامة الجبرية على المعارضين لهم سياسياً، ولنا في من كانوا في رحم الثورة وقادتها خير مثال ك ميرحسين موسوي ومهدي كروبي الذين اعتقلوا بعد انتخابات 2009 م، وكذلك المعارضين لهم دينياً، فبعض اساتذة البحث الخارج يخشون من طرح ارائهم في ”ولاية الفقية“ مثلا، الى حد يجعلهم يتركون بحثها عندما يمرون بها في سلسلة بحوثهم ويدخلون في بحث اخر!، وكذالك تحسسهم الشديد من اقامة الشعائر الدينية المخالفة لمنهج الحاكم!، حتى بات الايرانيون يعيشون حاله بوليسية مع النظام يخشون فيها التعبير عن ارائهم! وكل هذا التضييق تحت شعار ”الدولة الإسلامية“ للأسف!

أما الفشل خارجياً، فيرجع إلى ازدياد تشابك العلاقات الدولية، وتعقد مشاكل الإنسان اليوم إلى درجة أصبح من الصعب جدا تأسيس دولة على أساس ثنائية الحلال والحرام، فدولة ”الإسلام“ في إيران لا تكاد تسد أفواه جائعيها!، فكيف بتطبيق الشريعة الإسلامية وفرض المعاملات الإسلامية مع دول أخرى غير مسلمة!

وهنالك العديد من الشعارات والمظاهر التي استغل فيها ساسة طهران الدين ثم ضمرت واختفت مع تغير المصالح، وهل ننسى ”مظاهرة البراءة“ التي اخترعها الإيرانيون، إذ أصرو على إقامتها مع ماتشكله من انتهاك للسيادة السعودية والهدف منها سياسي بحت ولكنه سرعان ماشهد هذا النشاط ضمورا بسبب تقلب الأوضاع السياسية حتى استحالت تجمعا للحجاج الإيرانيين ومحاضرة في خيام منى فقط بينما كانت في يوم من الأيام مدرجة في رسالة عملية لأحد مراجع النظام ويعتبرها من تمام الحج ويشكل الحج بتركها!!

وهذا تماما ينطبق على شعارات رفعت إبان إنتصار الثورة ومنها شعارات ”الموت لامريكا“ و”الموت للإنجليز“ و”الموت لإسرائيل“، فمطلقي هذه الشعارات أصلو دينيا لها، حيث يقول المسؤولون الإيرانيون إن شعار ”الموت لامريكا“ رمزا للمقاومة امام اعداء الاسلام والبشرية وإن اطلاق شعارات ”الموت لامريكا“ في هذه الايام يعني الموت لأبي لهب وآل زياد وآل مروان وبني امية واذنابهم ممن ساهم في قتل الامام الحسين . وهو الترجمة الحقيقية والصريحة للقول التاريخي للامام الحسين «هيهات منا الذلة».!!

العجيب إنه في خضم أوج رفع هذا الشعار عقدت إيران صفقة كبرى لشراء أسلحة من الولايات المتحدة الامريكية ”الشيطان الأكبر“، مما عرف بعداً بفضيحة ”إيران كونترا“، فإذا كان الحال هذا في ذلك الوقت فلا غرابة من تبريد الماء الثقيل في المفاعلات النووية الإيرانية لحرارة شعار الموت لأمريكا اليوم، وإطلاقه على استحياء بعد أن تربى عليه أجيال أكثر من 30 عاما!

فهل كان الشعار دينا أم سياسة!؟

والسؤال المرتقب إذا كانت السياسة البراغماتية قد جلبت الموت لشعار الموت في شقه الأمريكي فهل سيكون الحال نفسه مع شقه الإسرائيلي!

لننتظر ونرى!.