عبدالله جمعة: وقّع أكثر من 300 نسخة

الخزاعي: ملحمة جلجامش كتبت بالخط المسماري هي أول عهد للإنسان بالكتابة

شبكة أم الحمام

استهلت أمسية ”ملحمة جلجامش“ مساء أمس الأحد، بعرض مسرحي قدمه الفنان راشد الورثان، مجسدا حكاية جلجامش وبداياته وحكمه وفقدانه لأنكيدو، في عدة مشاهد، من اعداده وتمثيله، جاء ذلك خلال الأمسية التي قدمت عن ترجمة عبدالله جمعة لملحمة جلجامش ونظمتها جمعية الثقافة والفنون فرع الدمام بالتعاون مع المحترف السعودي.

وليبدأ بعدها مصمم الكتاب كميل حوا الحديث عن صناعة الكتاب وكيف تمت خطواته والورق الخاص والرسومات التي استغرقت عدة أشهر بالإضافة الى الخط المصمم ليكون ثيمة الملحمة والمأخوذ من الكتابات السومرية، رسم الرسومات الفنان السوداني عمر صبير، وصمم الخط الفنان مأمون أحمد.

ويوضح الناقد سعد البازعي أن عبدالله صالح جمعة أراد أن يؤكد دلالة الترجمة على القراءة وقد أحسن صنعا، لكنه أيضا يشير الى علاقة نصه المترجم بنصوص أخرى مترجمه للعمل نفسه، فقد حضرت الملحمة الى العربية في عدة نصوص سابقة، وتبرر اعلان عبدالله جمعه بأن سعيه مختلف، الأمر الذي يتضح من قراءة النص تستمد خصوصيتها من بلاغة القران الكريم تارة ومن توسل روح الشعر العربي تارة أخرى، ومن جزالة اللغة الأدبية الموروثة، لتصبح الترجمة او القراءة مشروعا، في اضفاء روح الثقافة العربية على العمل الموغل في العراقة السامية القديمة، جاء ذلك خلال القراءة التي قدمها البازعي عن ترجمة عبدالله جمعة لملحمة جلجامش التي نظمتها جمعية الثقافة والفنون فرع الدمام بالتعاون مع المحترف السعودي، مساء أمس الأحد.

وأثبت الناقد سعيد السريحي أن النص التاريخي لجلجامش لم يكن وليد فكر يتخبط في المساحة الرمادية بين الأسطورة والتاريخ بقدر ما كان نتاجا للحظة تسعى لكي ترصد التحول من الأسطورة إلى التاريخ واصفا أيها بلحظة اكتشاف الإنسان لبشريته ومن ثم سقوط ذاك الإنسان وحيدا في العالم، ووقتها كان انقطاع الحبر السري الذي يربطه بالوجود من حوله وفجيعة أن عليه أن يؤسس لنفسه وجودا خاصا به على الأرض التي لا مناص له من أن يعيش عليها ويموت فوق ترابها.

وواصل السريحي طرح رؤيته النقدية حول هذه الأسطورة بالقول ان جلجامش الخارج من ألواح تنازعاتها الآلهة والبشر قائلا كلما كتب إله فيها سطرا كتب الإنسان فيها سطرا حتى انتهت إلى ان تكون مركبا من اسطورة تتحدث عن آلهة كانت تتنزه على الأرض كلما ضاقت بعزلتها فوق السماء، وتاريخ يروي تغريبة إنسان يكتشف مواطئ قدميه على الأرض ويحلم بأجنحة تعيده إلى سماء أخرجته الآلهة منها.

واعتبر الدكتور محمد الخزاعي الناقد البحريني أن ملحمة جلجامش السومرية التي كتبت بالخط المسماري هي أول عهد للإنسان بالكتابة، وهي من أقدم إنجازات الإنسانية وواحدة من أقدم الأعمال الأدبية التي عرفتها البشرية. وقد خطت على إثني عشر لوحاً طينياً تم اكتشافها عام 1853 في موقع أثري في نينوى بالعراق فيما يعتقد أنه كان مكتبة الملك الأشوري آشور بينابال. وتوجد هذه الألواح التي كتبت عليها الملحمة في المتحف البريطاني ويعتقد أن نسخة منها موجودة من قصيدة ”ذلك الذي رأى البحر أو كل شيء“ التي كانت تتداول في بابل وآشور خلال الألفية الأولى قبل الميلاد. ويعتقد البابليون أن هذه القصيدة من وضع أحد العلماء ويدعى سن - ليق - أونيني في مدينة أوروك أو الوركاء ما بين عامي 1300 - 1000 قبل الميلاد. كما يعتقد أيضاً أن هذه القصيدة أعيدت كتابتها من قبل شاعر مجهول أو أكثر قبل 3700 سنة مضت. وقد قام علماء اللغة الآكادية بفك رموزها وترجمتها إلى اللغة الإنجليزية.

وقال ان الحديث عن جلجامش وملحمته الأسطورية تقودنا للتطرق إلى عوالم ثلاثة تتمثل في الجغرافيا والتاريخ والأساطير كتعبير أدبي. فالتاريخ يقودنا بطبيعة الحال إلى فترات وحقب عرفت بتاريخ الحضارات القديمة التي ظهرت قبل عدة ألفيات. وقد لفت علماء الحضارات نظرنا إلى عالم الجغرافيا حيث كانت تلك الحضارات سائدة في الشرق وتمتد من الصين إلى وادي الرافدين، إلى جانب الحضارة الفرعونية في مصر في أقصى الغرب. وقد توسطت حضارة العالم القديم حضارتان بين الشرق والغرب، هي الحضارة السومرية في بلاد ما بين النهرين وامتدادها جنوبا إلى ما كان يعرف بحضارة دلمون. وأسطورة جلجامش كان مسرحها مدينة أوروك السومرية والبحر الذي ارتاده جلجامش في رحلته بحثا عن زهرة الخلود التي قيل أنها كانت تنبت في قاع البحر.

بعد ذلك تحدث عبدالله جمعة عن الترجمة قائلا: اعدها قراءة خاصة تعود إلى أدراج دراسته عندما كان طالبا في الجامعة الإمريكية في بيروت حيث كان عليهم كطلبة لزاما أن يحضروا دورتين دراسيتين في العلوم الإنسانية تعنيان بتطور الفكر الإنساني، وتشملان موضوعات تتنوع بين فلسفة وأدب وفن، كان الهدف منها هو أن يكون لدى الطالب مهما كان مجال دراسته بعض الإلمام بشؤون افنسان العامة والجوهرية معارف تغتني بها روحه وتتسع بها آفاقه.

وقال كان من بين الكتب التي قررت علينا في الدراسة آنذاك كتاب عن ملحمة جلجامش وهي القصيدة السومرية الشهيرة التي يعدها البعض أقدم النصوص الأدبية المكتشفة أو من أقدمها.

وأضاف عندما تخرجت في الجامعة الأمريكية وعملت في أرامكو السعودية وأثناء مهمة عمل عام 1970 في المدينة النفطية بقيق بدأت ترجمة هذه الملحمة إلى اللغة العربية، وما حداني لذلك هو أنني أولا تأثرت كثيرا بالأبعاد الإنسانية لهذا العمل الأدبي ثم أنني ثانيا شعرت بأن هذه القصيدة الملحمية التي كتبت باللغة السومرية أصلا لا بد ان تكون كتبت بلغة شعرية راقية ليكون أثرها كبيرا بين قرائها.

وبعد ذلك وقع عبدالله جمعة أكثر من 300 نسخة خلال ساعة، ذهب ريعها لصالح برنامج القارئ الصغير الذي تقدمه الجمعية للاطفال، كما صاحب التوقيع عزف على الة القانون للعازف عبدالعزيز ابوالسعود والة ”الشللو“ للعازف حمد خليفة، وقدم الأمسية الاعلامية ناهد الأحمد، وقدم الفنان عبدالرحمن السليمان لوحة فنية هدية لعبدالله جمعة مقدمة من الجمعية.