نحو مجتمع آمن

 

بمناسبة انعقاد مؤتمر العنف الأسري بصفوى ومشاركتي فيه كمحاور

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على نبينا الأكرم المصطفى الأمجد المحمود الأحمد أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ، المبعوث رحمة للعالمين بشيرا ونذيراً ، ليخرجهم من الظلمات الى النور ، ويهديهم سبل الرشاد ، ليكونوا خير أمة أخرجت للناس ..
عن أمير المؤمنين علي عليه السلام قوله : نعمتان مجهولتان الصحة والأمان ..

أحبتي ..

سألت نفسي مذ تلقيت الدعوة للمشاركة في هذا المؤتمر المدرج تحت عنوان " نحو مجتمع آمن " .. فدارت في رأسي أفكاراً واستفهامات ، تقول :
ألهذه الدرجة يضطر المجتمع لإقامة مؤتمر عام تحت هذا العنوان (نحو مجتمع آمن)؟
ألهذه الدرجة أصبح حالنا مليء بالعنف والتطرف والعدوانية مع بعضنا .. أسرة ، أزواج ، إخوان ، أخوات ، زملاء ، بشر ؟
فالموضوع موضوع أنه مؤتمر وليس ندوة أو محاضرة ..

فالمؤتمر -كما هو معلوم- يعني تلاقي عدد كبير من المهتمين من أجل التشاور حول أوراق عمل مقدمة من متخصصين حول مشكلة كبرى وهمٍّ مشترك ليخرجوا بتوصيات عملية بعد حلحلتها للوصول لأفضل القرارات والنتائج والحلول .

فهل العنف مشكلة وظاهرة أصبحت مفرزاتها مزعجة لهذه الدرجة اضطرتنا لعقد مؤتمر من أجل التوعية عنها ، ومعالجتها ؟

لا شك بأن الإحصاءات تتحدث عن أرقام كبيرة ، والمراكز الإرشادية والمتخصصة تتحدث عن حالات من العنف الأسري بشتى أنواعه الجسدي والنفسي واللفظي وغيره ..
ولسنا بصدد ذكر أرقاما بقدر ما يهمنا فعلا أن نعي بأن حجم المشكلة آخذ في التنامي المطرد إذا لم يكن لدينا وعي للوقوف أمام أنفسنا وقفة جادة لنتخلص من هذه الآفة الغير إنسانية في ممارسة العنف ضد بعضنا لأتفه الأسباب ، ولأي اختلاف في الأفكار والمواقف التي كفل حريتها رب العباد ، وسطر لها قوانين تنظمها لكي لا يبغي الناس بعضهم على بعض ولكن للأسف بأن الناس أنفسهم يظلمون ..

حريتك تنتهي عندما تضر بالآخرين ..

لا أحد منا ينكر ما آلت اليه الأمور من حالات التعدي والعنف الممارس على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع ، والذي تعكسه حالات الوفيات والاصابات والمحاكم والمستشفيات والسجون والإصلاحيات والجمعيات وغيرها التي أخذت تضج من هول ما تشهده من وقائع موثقة ، وأدهاها هي تلك الجرائم التي تمس الشرف والعرض والقتل والاغتصاب واللواط والعياذ بالله ..

من هنا يأتي شكرنا للأحبة في اللجنة النسائية في صندوق الزواج بجمعية صفوى على تصديهم لهذا الأمر بنشر الوعي والثقافة والتعريض بهذا الموضوع عبر إقامة هذا المؤتمر المهم في محتواه وأهدافه ، ونغبطهم بالنجاح والتوفيق لاستقطاب هذا الكم من المستشارين والمتخصصين والمؤسسات المدنية ذات العلاقة لتقديم هذه الورش المهمة والمؤثرة من أجل توعية مجتمعنا وأسرنا وشبابنا لمخاطر تلك السلوكيات الخاطئة ،واستبدالها بلغة الحوار والرحمة والتحاب والكلمة الطيبة وبالرفق الذي اذا دخل في أمر زانه ، واذا خرج منه شانه –كما قال أمير المؤمنين سلام الله عليه- ، ولأننا أمة مرحومة بنبينا الذي بعث رحمة للعالمين صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ..
فنشكرهم ، ونسأل الله أن يمدهم بالعون والتسديد ..

الإنسجام والتناغم في الأسرة ..
ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله : خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي ..
الإنسجام والتناغم .. كلمتان جميلتان ما أروع أن نشهدهما في كل شيء ..

حين ننظر الى حديقة مليئة بالزهور منسجمة الألوان ، مبهجة للنظر نشعر بالراحة والجمال والإنتعاش ، وكذلك في باقي امورنا ، حينما نشعر بالانسجام والتناغم فيما نلبس من ملابس متناسقة في اللون والاستيعاب والأطوال فإننا نشعر بالراحة والسرور والثقة .. وكذا أحوالنا في الأسرة حين يكون مسارها منسجم والفطرة الالهية من أولاد وبنات بارين ، ومن أب وأم عطوفين ، فإن الحياة الأسرية تصبح جميلة وآمنة .. وتكون مخرجاتها على المجتمع مخرجات خير وبركة ومحبة وسلام .. وعندما تخلو الأسرة من أجواء المحبة والانسجام فإن ذلك مؤشر خطير على فقدان التوازن وبأن هنالك فقدان لعناصر مهمة فيها ..

كتخلخل قوامة الرجل ، أو فقدان الاحترام للوالدين ، أو انتكاسة في الأمومة والعطف ، أو محاصرة الفقر وضنك العيش ، أو الحرمان من لغة الحب والحنان ، .. وغيرها مما سينعكس حتماً على مخرجات تلك الأسرة وبالتالي تنعكس آثاره على المجتمع شئنا ذلك أم أبينا ..

فالسلوك العنفي هو نتيجةً لبنات أفكارنا وتغذيتها الراجعة من محيطنا المصلح أو المفسد ، وبالتالي نتحول الى أفراد ومجتمعات سيئة إلا ما رحم ربي ..

وحوش على الطريق ..
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم قالى تعالى ﴿ وإذا المؤودة سئلت ، بأي ذنب قتلت صدق الله العلي العظيم
كالسير على الطريق المليء بالوحوش الكاسرة .. يتحرك بعض أفراد المجتمع لقيادة المجتمع نحو مجتمع غير آمن في الطرقات  ..
فيخرج الواحد منا في آمان الله وحفظه مطمئناً الى مدرسته أو عمله أو مسجد أو زيارة احد الأقارب أو غيرها من الوجهات ، فلا يجد نفسه إلا وهو مؤوداً أو معتلاً بسبب طيش أو حماقة ارتكبها البعض للترفيه والفرجة والضحك ..

على مدى السنوات الماضية فقدنا الكثير من الأرواح نتيجة لتلك التصرفات والممارسات الغير مسؤولة من قبل البعض ، أو نقول غفلة وإهمال من البعض الآخر ، لكن النتيجة واحدة هي أن هنالك عنف يمارس على الطريق تكون نتيجته حرمان ، وألم ، للكثيرين  ..

مكارم الأخلاق حصن وأمان ..
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تعالى عن قصة لقمان وابنه ..﴿يابني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ( 17 ) ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور ( 18 ) واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير

الأدب والتكامل في السلوك والأخلاق ، وسعي الإنسان لهذا المسعى من خلال حبه لنفسه هو أمر مهم ينبغي علينا أن نكون السباقين اليه لكي نحقق لذواتنا الكرامة والعزة والشخصية المحترمة بين الناس ..

فالأخلاق صمام أمان عن الظلم والتعدي والعنف وارتكاب الجرائم ..
ولذلك جاء في الحديث الشريف عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله حول التزويج (من جائكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه) ..
تلكم الصفات والكمالات والحصون ليس كلها سهل المنال ولكنها ليست مستحيلة لطالبها اذا اتبع ارشادات القرآن والنبوة وأهل البيت عليهم السلام ، وأتبعها بالورع والاجتهاد كما قال أمير المؤمنين علي عليه السلام (ولكن أعونني بورع واجتهاد) ..
فحضور محاضر الخير ، ومجالس العلم ، وتزكية النفس، والابتعاد عن رفقاء السوء الذين يحبون أن تشيع الفاحشة بين الناس،  فإن ذلك الإنسان المؤمن سينال السعادة والحصانة لنفسه ولغيره عن الوقوع في مزالق الشيطان الذي يريد بالناس السوء والفتن والتناحر ..
فالأخلاق الجميلة هي حصون تحفظ الفرد والأسرة والمجتمع وتسود بسببها المحبة والإحترام ..

مع خالص محبتي وشكري العميق للجنة النسائية في صندوق الزواج بجمعية صفوى الخيرية على دعوتهم لي للمشاركة بالتقديم وادارة ورش العمل التي كان أبطالها اخواني الأساتذة / سلمان الحبيب ، زهير الصويمل ، محمد الخياط ..