الحسين بن علي جوهرة الوجود الفريدة
إن الحسين بن علي صلوات الله وسلامه عليه أعلى وأجل أن نتمكن – ونحن العاجزون – عن الحديث عنه بل وعن ذكر بعض ما يليق بجلال عظمته ورفيع درجاته وسمو مكانته ...
وقبل أن ندخل في الموضوع أود أن أذكر مقدمة تحوي مجموعة من النقاط ( كمدخل ) إلى ما أردنا الإلماع إليه : المقــدمة :
إن مكانة وعظمة الإمام الحسين عليه السلام لا يمكن لنا استيعابها ، كما أن الاعتراف بالعجز عن إدراك كنه الباري جل وعلا من صميم الإيمان المبني على المعرفة ، كذلك هم – المعصومون الأربعة عشر – لا يمكن لنا إحاطتهم ، ولا شك أنهم ليسو كالله سبحانه وتعالى في اللامحدودية ، ولكن مما لاشك فيه أنهم

إذاً نخلص إلى أن معرفة الإمام الحسين

إن حديثنا عن الإمام الحسين



كما أنه يشترط في القارىء – لا أعني قراءة هذه الأسطر القاصرة بل عموم القراءة عن الحسين

فيتضح بذلك أن حديثنا عن الحسين




وقبل ذلك كله فإن مجرد ذكرنا للحسين

النقطة الثالثة والأخيرة في المقدمة معقودة لتبيين المراد بصورة إجمالية ومقتضبة من هذه الأسطر حيث نستمد الحكمة والمعارف والعلوم المتناثرة والمبثوثة بين ثنايا كلام الأنجم الساطعة وخصوصاً في هذا المقام ، فيما ورد عن مختصات الإمام الحسين

ومن نافلة القول أن نبين أموراً وهي :
1- هنالك أمور مشتركة بين المعصومين

2- وهناك أمور مختصة بأهل الكساء خاصة ( فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها ) وكذا الصاحب القائم (عج)
3- وهناك أمور ينفرد بها أحد المعصومين عليهم السلام عن غيره وذلك أيضاً يشمل الجهتين ( التكوينية والتشريعية ) .
وسيكون الحديث _ بعون الله _ في جانبين :
الجانب الأول : الولاية التكوينية والتشريعية للمعصومين

الجانب الثاني : من مختصات الإمام الحسين

يشترك المعصومون


ونذكر هنا – بإيجاز – شيئاً عن هاتين الولايتين :
• الولاية التشريعية للمعصوم

وهذه الولاية مستفادة من مجموعة من النصوص كالرواية الواردة والمتواترة في كتب الحديث كالبحار وغيره ( إن الله أدب نبيه بآدابه ففوض إليه دينه ) ورواية ( المفوض إليه دينه ) ، وكذا يسري الأمر في بقية المعصومين عليهم السلام وذلك أيضاً مستفاد من الروايات كما في معنى إحدى الروايات أن الله جل وعلا فوض للنبي أمر دينه وأن النبي

ولا يقال أن ذلك يكون في ( عرض ) الله سبحانه وتعالى ، بمعنى أن سنة النبي

وهي بهذا المعنى لا تنفي التفاضل فيما بينهم



• الولاية التكوينية للمعصوم

شاءت إرادة الباري جل قدسه أن يجعل بين دفتي كتابه المنزل الآيات والآيات التي تُرتل ليلاً ونهاراً الدالة على قدرة المعصوم – عموم المعصوم ، الرسل والأنبياء والأئمة – بقيامه على خوارق الكون كإحياء الميت وشفاء المريض وخلق الطير وغيره والقدرة على تسيير الرياح وو.... والكثير من ذلك والتي لا تتسع هذه الأسطر لسردها ..
وذلك كله بفضله تعالى ومنّه ( بإذني ) ، والكلام بالنسبة للمعصوم وقدرته على الإتيان بخوارق الكون مفروغ منه ، وإنما الكلام في قدرة غير المعصوم من قبيل قصة آصف ( وهو ليس بنبي ) وقدرته على إتيان عرش بلقيس !!
والنبي

بل أنهم عليهم السلام بيدهم زمام الكون ويفوقون جميع الخلائق في قدرتهم على ذلك بدليل موقع اللام في كلمة ( لأجلهم ) الواردة في حديث الكساء الدالة على أنهم العلة الغائية في الخلق كما في الرواية ( ما خلقت سماءً مبنية .. إلا لأجل هؤلاء الخمسة ) و ( لولاك لما خلقت الأفلاك ) وغيرها . وكما في نهج البلاغة ( إنا صنائع ربنا والناس بعد صنائع لنا ) وغيرها ..وغيرها مما تفيض به كتب الحديث ، وليس في ذلك من الغلو في شيء إذا كان محكوم بقول أمير المؤمنين

ولو أُريد التكلم عن ذلك تفصيلاً لجف القلم قبل بلوغ الغاية .. ولكننا أردنا الإلماع فقط .
إذاً .. يتضح بذلك أن الإمام الحسين

بعض خصوصيات الإمام الحسين

من الثابت أن رسول الله






ونذكر هنا بعض مختصات الإمام الحسين

1- تركيب حروف اسمه الشريف ( ال، ح ، س ، ي ، ن ) وأثرها التكويني :
ونعني أنه بمجرد ذكر الإمام







مما يستفاد من الرواية أن نبي الله زكريا ( ع ) لم يكن يعلم التفصيل عن هذه الأسماء قبل أن يتأثر بدليل ( فأنبأه الله ) مما يعني أن مجرد ذكر هذه الأسماء الشريفة له أثره في القلوب ، ويختص الإمام الحسين





وهل الأثر يشمل جميع الناس أم أنه مختص بالمؤمنين ؟
خصوص تأثيره بالمؤمنين فواضح ، أما شموله لجميع الناس فيمكن بالقرائن الخارجية القول به والتي منها بكاء قتلة الحسين

2- زيارة الحسين

لله جل وعلا سنن في الوجود ( تكوينية وتشريعية ) وهذه السنن عرفوها بأنها ( ظهورات من الصفات الإلهية والأحكام السارية والمنضبطة بضوابط خاصة ) ومثالها السنن الكونية والاعتبارية – التشريعية - .
وقال أهل الكلام وعلماء التفسير أن هذه السنن كقيام الكون بالعلة والمعلول والسبب والمسبب ( كل شيء عنده بمقدار ) سنن غير مستثناة بل مستحكمة لا يمكن تغييرها بنحو التأبيد ويدل على ذلك ورود ( لن ) مرتين في سورة واحدة في أية واحدة ( لن تجد لسنة الله تبديلا ) أو ( تحويلا ) . ولكن وردت سنة استثنائية أهم من جميع السنن المادية التكوينية ، بل وحاكمة عليها وهي - زيارة الإمام الحسين



ولو تتبعنا الاختراقات سواءً ما ورد عنهم


وأما من الناحية التشريعية للزيارة فالظاهر أنها غير قابلة للتصور والاستيعاب ، فقد خُص الحسين




ومما يؤكد على عظمة زيارة الإمام الحسين

ولكن مما يثير العجب إذا تعارضت زيارة الحسين



وكذا فمجرد السلام عليه بهذه الألفاظ ( السلام عليك يا أبا عبد الله ) له آثاره وتموجاته ويُحدث معادلات تغييرية لا يمكن لنا استيعابها بسبب الحجب ، ويكفي فيما ذكرنا عن الزيارة إشارة لذلك ، حيث السلام جزء الزيارة وله ما لها – فيما يبدو - .
3- بعض السلامات المختصة به

يختص سيد الشهداء بزيارات خاصة في أيام السنة زائداً على ما ورد في التأكيد على زيارته المطلقة في كل وقت وفي كل حين دون سائر المعصومين

وفوق ذلك الاختصاص نرى – فيما ورد – سلامات خاصة لا تنطبق إلا عليه ولا مصداق لها غيره




وتمتلىء زياراته الطاهرة من شبيه هذه العبائر كزيارة وارث وزيارة عاشوراء والنصف من رجب وشعبان وغيرها ، وفي ظني أن هذا الأمر أوضح من أن يُستدل عليه ويلمسه كل زائر ، وخصوصاً من داوم على زيارة المعصومين



وبما أن للحسين



4- تربة الحسين

يحتار الكمّل وذوو الألباب عند مطالعة ما ورد في ( باب تربته صلوات الله عليه وفضلها ) في البحار المجلد ( 98) وغيره ككامل الزيارات والتهذيب ومصباح الزائر وغيرها من المصادر .
فمن الأثر التشريعي الخاص بتربة الحسين




ويظهر أن تلك خصوصية لتراب كربلاء التي شرفها الحسين

ومن الآثار التكوينية لتربته







وهنا – في هذا المقام – ثلاث ملاحظات يلزم ذكرها :
- الأولى : أن لتناول تربة الحسين شروطاً لتؤتي أكلها كبعض الأذكار الخاصة والقدر المعين وغيرهما ..
- الثانية هناك استثناء في بعض الروايات لهذا العام – شفاء من كل داء – والاستثناء الوارد هو ( إلا السام ) ، ولكن بمعنى الموت كما قال العلامة المجلسي في بحاره ..
- الثالثة : وردت رواية عن علي بن مهزيار ، تعطي هذه الخصوصية لقبر النبي والوصي
والإمام الحسن
، فلعله
يشترك معهم في هذه الخصوصية ، إلا أن الوارد عن تراب قبر الحسين
ما لا يحصى .
5- تضمين الأرض والسماء دمه وثأره :
جاء في البحار للعلامة المجلسي في المجلد ( 101) نقلاً عن كامل الزيارات لابن قولويه ، والذي هو – كامل الزيارات – عند محدثي الشيعة وعلمائها من أجل الكتب وثاقة واعتبارا ، والرواية عن الإمام الصادق وهي معتبرة سنداً ، في إحدى زيارات جده الحسين
قال وهو يخاطبه ( وضمّن الأرض ومن عليها دمك وثأرك ) .
يقول أحد الآجلة المحققين عن هذه العبارة .. وهذا مما استثنى الله جل وعلا به الحسين وخصه به ، ولتبيين مراد الإمام الصادق
من هذه العبارة والمستفاد من كلام العلماء كالمجلسي وغيره .. نذكر أمرين مهمين وهما :
الأول :
( الضمان ) :
إن مراد الإمام الصادق من هذه الكلمة ( ضمّن ) في هذه الجملة هو المعنى العربي والشرعي لها ، والضمان باب أو فصل مستقل بذاته في الكتب الفقهية المطولة وغيرها . والمشهور عند علماء الشيعة – باختصار – عن هذه الكلمة هو ( ضم ذمة إلى ذمة ) بخلاف السنة والذي هو عندهم ( تبديل ذمة إلى ذمة ) وللتفريق نذكر مثالاً : زيد ( دائن ) أعطى عمراً ( مدين ) – 100دينار – كدين على عمر ، وبكر ضمن عمراً بالتسديد . فعندنا نحن الإمامية باستطاعة زيد أن يطالب عمراً أو بكراً بدنانيره على نحو التخيير .
أما عند السنة فإن زيداً لا يستطيع مطالبة إلا بكر ( الضامن ) ولا يطلب من عمر شيئا .
وفيما نحن فيه حول جملة ( وضمّن الأرض ... ) فإن الحسين قتل في بقعة صغيرة من الكرة الأرضية وهي أرض كربلاء ، ولكن الله جل وعلا ضمّن الأرض كلها بل ومن عليها لعظم الجناية ، ولا يقال أن هذا الضمان خلاف العدل فعليه لابد من تأويل اللفظ ! بمعنى أن الأرض وكثير ممن عليها غبر راضين عن قتل الحسين
فكيف يضمنون دمه ! فيدفع هذا أن الضمان ليس كله اختيارياً بل في بعضه إجباري وهذا مسلم به في الفقه ومثاله إذا كسر النائم – وهو غير شاعر بما يصنع – كوز أحدٍ فإنه يضمن ذلك – إجبارياً – ولا قائل بأن هذا خلاف العدل ، وما نحن فيه من هذا .
الثاني :
عندنا في أصول الفقه في مباحث الألفاظ قاعدة تقول ( المعنى الحقيقي إذا كان فيه محذر يُنتقل إلى أقرب المجازات ) وضمان الأرض ومن عليها ومن عليها دم الحسين بمعنى مسئولية الأرض ومن عليها دمه بمعنى العقاب على هذه الجناية ، وهذا هو المعنى الحقيقي ، ولكن بقرينة أن هذا ( مناف للعدل ) فإننا ننتقل إلى أقرب المجازات وهي كثيرة ، ذكر بعضها العلامة المجلسي في المجلد المذكور في ص ( 170) .. ولكن أقربها يحتاج إلى تأمل وإعمال النظر .
ومنها – المجازات – بما أن قتل الحسين هو في حقيقته قتل للكرامة الإنسانية وقتل للمعنويات وقتل للدين وو.... فإن مسئولية الجميع هي إحياء شعائر الحسين
والتي تمثل شعائر الله جل وعلا من خلال كل الوسائل المتاحة الإعلامية وغيرها ولعل ذلك يتضح من كلمة ( ثأرك ) .
والذي يظهر أن المسئولية المراده هي لنوعين :
الأول :
مسئولية الجمادات .. وهذا ظاهر في أنه أمر تكويني ، وهذا يعني أن ضمان الأرض ومن عليها من الجمادات مسئوليتها عن دم الحسين وثأره هي مسئولية من الجانب التكويني – والله العالم _
الثاني :
أما مسئولية ذوي العقول فإنها مسئولية تشريعية أي من الجانب التشريعي .
وهل يوجد في غير الحسين ذلك ؟؟
وفي ختام بحث مختصات الحسين :
كنا نود ذكر بعض الخصوصيات الأخرى له كاستحباب الدعاء تحت قبته ، وأن الأئمة من ذريته ، وما يحويه دم قلبه الطاهر واسم الله الأعظم .
ولكن نكتفي بما ذكرنا سائلين المولى جل وعلا أن يتقبل منا هذا القليل من القليل ، ،