الشاعر منير النمر يولد موسيقى جديدة بالشعر العربي ويتحدى منظري "النثر"

شبكة أم الحمام

كشفت قصائد حديثة الطابع قدمها الشاعر السعودي منير النمر النقاب عن مشروع شعري جديد وصفه نقاد بـ"ببالغ الأهمية"، وتفتح التجربة الجديدة التي ألقى جزء منها في أمسية شعرية سابقة الباب على مصراعيه، إذ توقف النقاد عند "موسيقى جديدة" تتخذ بحرا شعريا جديدا، ما يفتح الأفق أمام القصيدة العربية الحديثة.


وعلى رغم تأكيدات خاصة باستهلاك موسقى الشعر، وأن ليس أمام القصيدة العربية الحاملة للموسيقى بشقيها العمودي والتفعيلي والأنماط الأخرى، غير الانتقال إلى "قصيدة النثر" التي كسرت بين أسطرها الموسيقى الوزنية، إلا أن الشاعر تمكن من تفكيك هذا التوجه عبر إثباتات عملية، ما يضع حجج "النقاد" المنظرين لقصيدة النثر، وقدم النمر أنماط جديدة وغير مسبوقة، منها قصيدة "حكمة الحرب"، وهي من القصائد التي اعتمد فيها على التكتيك الموسيقي الجديد، وتأتي قصيدته الأخيرة التي نشرتها صحف عربية عدة؛ لتعزز من تجربته الشعرية ضمن الرؤى الجديدة، ما يمنحه تميزا متفردا يذكر بعمالقة الشعر العربي الذين تمكنوا من كسر أنماط تقليديه في زمنهم، ما أدى لتغيير جذري في بنية القصيدة العربية، ومن الشعراء بدر شاكر السياب، نزار قباني، محمود درويش.


ويقول النمر في قصيدته "حكمة الحرب": "من حكمة الحرب أن الريحَ تتبعها/ أن المدى بدمِ الأشياءِ مسكونٌ بوجه الرصاص.. ووجه القنبلهْ./ دَمَنا كأسئلةٍ قاتلهْ./ ومن رصيفكَ..داركَ.. جاركَ.. ينبتُ موتُ المرايا، معشبَ الجدرانِ مسفوكاً، غريباً، شارداًعن روحكَ المائلهْ."، وشدد نقاد في كتابهم عن القصيدة الجديدة على أن الشاعر بدأ القصيدة على بحر البسيط التقليدي "مستفعلن، فاعلن، مستفعلن، فاعلن"، وهو بحر يندر فيه كتابة القصيدة التفعيلية عليه، إذ يتطلب قدرة متميزة تمكن الشاعر من الامساك بموسيقاه التقليدية لكتابة ما يعرف بالقصيدة التفعيلية الحديثة، بيد أن الناقد السعودي في مجال الشعر علي الشيخ أحمد رأى بأن الجديد كليا قدمه النمر في بنية القصيدة ككل.

ففي شطرها الثاني الخاص بـ"أن المدى بدمِ الأشياءِ مسكونٌ بوجه الرصاص.. ووجه القنبلهْ" أدخل الشاعر تقنيته الجديدة في شكل غير متكلف، وتابع"نلحظ أنه بدأ بمستفعلن فعلن، وهو أمر اعتيادي حتى الآن، بيد أنه سرعان ما يصدمنا بالجديد حيث تلى ذلك بمستفعلن، مستفعلن لمرتين متتاليتين، بعد ذلك جاء بفاعلن، فعلن لمرتين متتاليتين، وختم بمستفعلن لختام المقطع الشعري، وهو ما شكل توليدا موسيقيا جديدا متفردا بحد ذاته، ويعد من ابتكار الشاعر، إذ لم يتم العثور على ذلك لا في تراثنا العربي، ولا في الشعر الحديث"، مشيرا إلى أن الشاعر لم يستخدم ذلك في مقطع واحد، بل إن ذلك كان في بنية القصيدة من بدايتها حتى نهايتها، وأضاف"يا أبي: حربُنا هي حكمتنا القاتله.

وفي هذا المقطع نلحظ استخدام نوع واحد من التفعيله من نفس الامتداد الموسيقي وهي فاعلن، إذ اوردها لخمس مرات".وتابع "قال لي وجنازةُ أختكَ تبكي قُبَيْلَ الدفنِ في سهل الغيابْ.، فهنا تم استخدام نفس النمط المدروس بعناية فائقة، إذ استخدم تفعيلة فاعلن لخمس مرات، فيما استخدم بعدها تفعيلة مستفعلن لمرتين من دون أن يشعر الشخص أن هناك نشازا موسيقيا؛ لأن بنية القصيدة قائمة على نفس التكتيك منذ بدايتها حتى نهايتها، وهذا هو الجديد شعريا، وغير المسبوق".


يشار إلى أن موضوع القصيدة ينتقد الحروب التي تشن في العالم، وتدعو البشر للسلام، ويختم الشاعر قصيدته ذات الطابع الإنساني بقوله "من حكمة الحربِ هذا الزنادْ./ هذا الممددْ./ آهاً تشرّدَ ساكنها في الظلامْ./من حكمة الحربِ أني أنامُ بعيداً عن الحربْ.".

قصيدة حكمة الحرب:


من حكمة الحرب أن الريحَ تتبعها..

أن المدى بدمِ الأشياءِ مسكونٌ بوجه الرصاص.. ووجه القنبلهْ.

دَمَنا كأسئلةٍ قاتلهْ.

ومن رصيفكَ.. داركَ..جاركَ.. ينبتُ موتُ المرايا، معشبَ الجدرانِ مسفوكاً، غريباً، شارداً

عن روحكَ المائلهْ.

يا أبي: حربُنا هي حكمتنا القاتله.

قال لي وجنازة أختكَ تبكي

قبيل الدفنِ في سهل الغيابْ:.

من حكمة الحربِ أن الهوى ساكن في كل ساحتها.حتى إذا ما انتهى من طلقةٍ أملٌ

تجمّعَ الخوف في أحلام مقتولي

من حكمة الحربِ أن الموت غيمٌ يسافر مثل اليعاسيب البعيدة عن نهرها.

من حكمة الحرب تجري رياحٌ على رملٍ فيسحقهُ موتٌ يبطئٌ خفيفُ الرحيلْ.

ومن مدى الأفق تأتيك زرقة السلامْ.

أبيضٌ أنتَ..، راية حبٍّ، ممدد كحكمة حربٍ ووجه سلامْ.

للحربِ حكمتها..للقتلِ حكمتهُ.

لحكمة الحربِ أنكَ ثائرٌ لكل الحمامْ.

وأنكَ القاتل المحكيُّ فوق الغيوم البعيدهْ.

وأنّكَ وجه الغمامْ.

من حكمة الحربِ هذا الزنادْ.

هذا الممددْ.

آهاً تشرّدَ ساكنها في الظلامْ.

من حكمة الحربِ أني أنامُ بعيداً عن الحربْ.