كتاب الحراك الشيعي بين تعدد المغالطات وضعف اللغة والبعد عن الوقائع

 

حمل كتاب "الحراك الشيعي في السعودية، تسييس المذهب ومذهبة السياسة" الذي طبعته الشبكة العربية للأبحاث والنشر (2013 بيروت) مغالطات عدة، والكتاب الذي يقع في 319 صفحة من الحجم الوسط احتفت به قنوات تتصف ب"الطائفية المحرضة على الشيعة" –وصال نموذجا-. ما كنت لأتطرق للكتاب الذي عُدَّ من أعلى الكتب مبيعا في معرض الرياض الفائت لولا الكم الكبير من الرسائل الخاصة التي طالبتني شخصيا بتوضيح ما سبق وصرحت به في ندوة حضرها مؤلفا الكتاب (بدر الإبراهيم، محمد الصادق) في منتدى الوسطية في مدينة صفوى.

مغالطات:

أورد الكاتبات سلسلة من المغالطات تارة، أو قضايا ذات بعد جدلي تارة أخرى، فمن القضايا الجدلية التي يتطرق لها الكتاب على أساس أنها مسلمة ما كتب في الصفحة 11، وهي أول صفحة من متن الكتاب، إذ يشير الكتاب لأهمية الشيعة في نقطتين، وما يخصني هنا النقطة الثانية التي قال فيها بأن "الشيعة أقلية في البلد الخليجي الأكبر والأغنى بالنفط، والمنتمي للهوية السلفية الوهابية التي دخلت منذ نشوئها في حالة تصادمية مع الشيعة على المستوى العقدي". وهنا جدل بيّن بين باحثين، ما يعني أن المسألة ليست محل حسم، فحتى ما يخص أن البلاد بمكون وحيد ليس صحيحا بالمطلق، كما أن الشيعة في السعودية أكثر من الشيعة في الكويت والبحرين ولبنان، وإن أخذوا كتكتل منفصل، وأخذ كل مذهب بشكل منفصل، فإن الشيعة لن يكونوا أقلية، كما أن إضافة غير الإمامية مثل الاسماعيلية والزيدية وفرق الشيعة الأخرى للشيعة، لا يجعلهم أقليلة أمام المجموع الكلي، وليس من الانصاف حسب رأي كثير من الباحثين أخذ الإمامية كطائفة، وجمع مجموع المذاهب السنية كطائفة، وهنا مغالطة كبرى؛ لأن المذاهب مختلفين جدا عن بعضهم.

سطحية:

ولو انتقلنا لصفحة 17، وتحديدا في "ثانيا: الهوية الشيعية في السياسة" سنجد أن هناك وصفا سطحيا، إذ يبدأ الكتاب بـ"عرفت القطيف والأحساء بانتشار التدين الشعبي أو التدين الريفي الفطري بين أهلها....،" هذه الأوصاف تفترض أن هناك تدين غير شعبي، وهنا عدم وضوح لدى المؤلفين، فيما تتحفنا الصفحة رقم 47 بأ الكتاب يفترض أن للشيعة مدرسة "تفكيكية"، ولا أعرف من أين أتى بالمصطلح الذي اخترعه في ليلة يبدو أن ليس فيها قمر، كما أن نسبة تأسيسها إلى (الميرزا مهدي الأصفهاني) لم يكن دقيقا البتة، ومن المضحك حدّ سذاجة الكتاب اختراع موت الرجل في عام 1946 كما أشار الكتاب، بينما أن المدرسة الأصولية التي وصفت بـ"التفكيكية" سبقت هذا التاريخ الحديث منذ قرون. وفي صفحة 53 تعود السطحية والمغالطة، إذ ينسب الكتاب إما جهلا، أو عدم فهم وعلم إلى (الشيخ كاظم اليزدي) مصطلح المرجعية، بينما هذا الواقع كان موجودا منذ عصر الغيبة، وجل ما ينسب له أنه نقل علم الأصول إلى الرسائل العملية.

تشوش لغة الكتاب:

وليس بعيدا عن التخبط نجد أن اللغة التي يسير فيها الكتاب لغة مشوشة، وتصل لحد الوقاحة في بعض الأحيان، إذ يستخدم المؤلفان ألفاضا مثل "صك اليزدي بفتواه". في صفحة 54، وجاءت العبارة في سياق إطلاق الشيخ كاظم اليزدي فتوى "إطلاق عمل العامي بلا احتياط أو تقليد باطل". كما  خاطب المؤلفان أحد أهم الرموز الشيعية، وهو الإمام الصادق من دون "عليه السلام"، ولو تجاوزنا عن التسليم، سنجد أن اللغة لا تنم عن احترام شخص يدين له مذهب بأكمله، إذ ذكر عنه "أسس الأمام الصادق بما جمع وما أضاف"، وهنا سطحية بالغة السوء، فالإمام في المعتقد الشيعي لا يضيف شيء من خارج الدين للدين، كما أنه استخدم في نفس الصفحة 51 عبارة (ما يعرف بـ"الفقه الجعفري"). وهو أسلوب إعلامي يستخدم عادة إن لم يتم الاعتراف بالخصم أو ما شابه، كأن تقول ما يعرف بـ"الجيش الحر".

وعلى رغم الكثير من المغالطات، ومنها ما لم أسرد اختصارا للوقت، إلا أن الكتاب سار في اتجاه مخالف وغير موضوعي حتى أن بعض من استشيروا  فيه، أكدوا لي بأن المؤلفين أخذا وذكرا ما أرادا قوله، ولم يلتزما بما أخذاه منهم، وأنهم حرفوا ما أخذوه، وأخيرا اعتمد المؤلفان على شخصيات كانت في حينها مجرد كوادر عادية في الشأن الذي انخرطت فيه بحكم سنها، مثل "زكي الصدير" الذي أورداه في الكتاب، وجعلاه من أهم القيادات حسب السياق الكتابي للكتاب، إذ اعتمدا على رواياته. وهنا مغالطة سمجة لم تكن آخر ما في الكتاب من عيوب.