تكرار ظاهرة يعاني منها المجتمع المدرسي وهو الغياب

 

 

 

اتخذت بعض كلمات الإمام الحسين التي قالها في يوم عاشوراء طابع النداء المؤثر الذي يدعو الى الجهاد والكرامة والعز والعلم والأخلاق . وقد جاءت هذه المعاني في سياق الخطب الرسالية.

ومن أهم مصاديق إحياء الذكرى وإحياء الشعائر إحياء أهداف النهضة الحسينية والتي حددها الإمام الحسين(عليه السلام) في وصيته الخالدة (انما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي؛ أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، واسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب.

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعني الدعوة إلى الدين كعقيدة وهو دعوة غير المسلمين إلى الإسلام ، والدعوة إلى العمل الصالح والنهي عن العمل الطالح ، وهو أمر يستوعب جميع مظاهر الحياة وأبعادها ، فهو إصلاح للقلب وللعقل وللإرادة، وإصلاح للسلوك وإصلاح للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والسياسية لتكون أسلامية ويكون الإصلاح منسجماً مع منهج رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ومنهج باب علمه ووريثه أمير المؤمنين "عليه السلام"

وهذا هو ما يجب ان ينطبق علينا كعشاق وموالين لأهل البيت عليهم السلام.

ويمثل المجتمع الطلابي وخاصة من مراحل الثانوية والجامعة مجتمعاً متميزاً نظرا لتركيبتها لمتميزة ً لأفراده الذين تربطهم علاقات خاصة وتجمعهم أهداف موحدة في ظل مجتمع تربوي تحكمه أنظمة وقوانين تنظم مسيرة العمل داخله .

وتعتبر مشكلة ألغياب مع بداية عشرة محرم ظاهرة تتكرر ويعاني منها المجتمع المدرسي ، وذلك لما لها من تأثر سلبي على مستوى الطالب من هذه المراحل الدراسية. وسبباً في كثير من إخفاقا ته التحصيلية وانحرافاته السلوكية لمن لا يمارسون الشعائر والحرص او الاهتمام بالحضور للمجالس والاستفادة من القيم والمبادئ التي حرص الامام الحسين عليه السلام من خلال واقعة الطف اذ اعطانا دروسا وعبر لكل مجالات الحياة ومنها الحرص على الاهتمام بالعلم

وما جعلني ان اكتب هذه المقالة وهي لا تستهدف أي فردا من ابناء المجتمع المدرسي او الاسري ولا اتهمه بالتقصير او اهمال واجبه تجاه ابنائه .

 وما أثير خلال هذه الايام من تطرق بعض الاخوة الكاتب إلى ظاهرة الغياب بداية عشرة محرم ليس الهدف منها التعرض او الإساءة الى المجتمع المدرسي .بقدر ما هو لفت نظر من اجل هدف واحد وشراكة اجتماعية يستشعرها كل فرد من ابناء هذا المجتمع الذي يتخذ من دروس عاشوراء عبر وعبرة.

وما لاحظته اثناء تصفحي للتعليقات والتي لم ترتقي في ردودها إلى المستوى الذي  يليق بنا كأمة  تجسدت في روحها رسالة الامام الحسين وحملت على عاتقها اهدافه ومبادئه كي تطبقها الاجيال على ممر التاريخ،يجب ان ننصف بعضنا بعض ولا نجرح او نجرد أي شخص من هويته.  وعندما يتطرق الكاتب او الخطيب او الشاعر او أي فردا من افراد المجتمع  لظاهرة تسئ لنا كمجتمع ،يجب ان تكون هناك شفافية ومرونة في كيفية التعامل مع هذا الطرح وان نثري واقعنا بشيء من الناقش المرن والراقي ونبتعد عن التجريح والقذف وسوء الفهم بالآخرين  وخاصة ونحن نتبع نهج أهل البيت ونتمسك بعروتهم الوثقى في كل شيء  .

إن الإخوة تقدموا مشكورين وكذلك بعض الخطباء حفظهم الله تطرقوا من خلال منابرهم لهذه الظاهرة  .وانأ مؤيدا لهم  وهذا يصب في مصلحة ابنائنا الطلبة الذين يشكلون عصب الحياة وهم وقود لهذه الآمة  ،و كنوزا لنا وروافد لمستقبل واعد وثروة وطنية نرتكز عليها عندما يتسلحون ويحملون شعلة العلم ويتسلحون برسالته العلمية والعملية بمختلف مجالاتها.

لا نريد أن نقلل إحيائنا لهذه الذكرى الاليمة ونعودها على الكسل والخمول والنوم ، ولا نريد أن نعطي انطباعات سلبية، فالعلم مطلوب ومقدس وهذا اهم دروس الامام الحسين وما جاء به من علوم لأهل البيت عليهم السلام ، ولا يوجد تعارض بين الدراسة  والإحياء حتى يوم الثامن من المحرم، ومن غير الصحيح أن يبدأ الغياب من الأول من المحرم، ولا يأتي يوم الخامس إلا والصفوف خالية.الإحياء لا يتركز في الصباح بل في المساء.

انها مشكلة يجب على المدرسة والبيت تحمل عواقبها .ولا اجد مبرر للغياب من بداية الايام الأولى ، وهي لا تعود على الطلبة بالفائدة.بل يجعلوها سياحة و نراهم يتركون مقاعدهم الدراسية شاغرة ويتخبطون في الشوارع والسهر الى اوقات متأخرة من الليل وتضيع اوقاتهم بين اللعب والتسلية والأكل اثناء تجوالهم بين المآتم ولو سئلتهم من صاحب المصيبة هذا اليوم لا يجدون اجابة.

فيجب ان نلتفت لهذه المشكلة كي نحافظ على هذا الطاقات ونغرس في نفوسهم حب العلم وان رسالة الامام الحسين عليه السلام هي من ضمن السياق الذي هو ثار من اجلها .يجب ان يكون هناك تنسيق بين اولياء الامور وادارة المدرسة من اجل الحد من هذه الظاهرة المتكررة حتى في وفيات الائمة وحتى وان  اختلفت الرواية في بعض وفيات الائمة صلوات الله عليهم تجد الطلبة ينتظرون بفارغ الصبر مثل هذه الاجازات .

اقول للجميع يجب ان نتفهم مخاطر وعواقب هذا الغياب وهو يؤثر على مسيرتهم التعليمية ،فيجب ان لا تجرنا عواطفنا والضحية ابنائنا.إننا ندرك ان قضية الامام الحسين وباقي الائمة خطا احمر ووفاء وواجب وشعيرة نعظمها ونستميت من اجل تجديد ذكراها.ولكن لا نجعلها سياحة في عالم الروح الوجداني فقط.وإهمال الجانب الاساسي وهو رسالتهم الينا وحثهم على ثقافة الروح في كافة مجالات الحياة وأهمها الحياة العلمية والعملية في المجتمع.

سؤال موجه لنا جميعا .

لو كانت الامتحانات صادفت هذه الفترة كما حصل في الأعوام الماضية فهل سوف نجبر ابنائنا على الغياب او نشجعهم لحضور الامتحانات ؟

وفعلا صادفتنا مثل هذه المواسم في الأعوام الماضية ولكن كان هناك انظباط وتنسيق حيث نذهب الى المدرسة ونحضر التعزية ونشارك مواكب العزاء وليس هناك ما يمنعنا من توظيف انفسنا في خدمة المأتم وحضور المدرسة ولم يكن هناك غياب بمثل هذه الصورة .

اني اعلم بأن جيل اليوم ليس كجيل الامس ولكن هناك بالأمس انضباط اكثر وحرص اكثر .وأقولها لا دخل لنا بالمناهج الدراسية فهذه مناهج  دراسية ولو اننا سوف نركز عليها فلن ندع ابنائنا يذهبون الى الدراسة طالما يدرسون هذه المناهج. فيجب ان نفرق بين الفرضية والالتزام حتى نخرج بنتيجة تحقق للجميع الرضى  انا وأنت والجميع درس وتخرج من هذه المدارس ومنهم من حازوا على الدكتوراه  ومنهم من اصبح من رجال الدين  وغير ذلك ، فهل اثرت هذه المناهج وما تحتويه من عقائد مزيفة علينا كمجتمع موالي .

وعن الاطالة ولكي لا يتشعب الموضوع وخلاصة لهذه المقالة.

  اقول أرى شخصياً أن نثقف أنفسنا ونقف محايدين والتحدث بشكل مرن وواقعي ومجدي عن هذه الظاهرة وأن يكون موقفنا تربويا وتعليمياً عند توجيه أبنائنا لغياب هذه المناسبات والأخذ بيد هم إلى درجة  الوعي والإدراك بأن هذا الغياب له معنى عميق وله أبعاد كبيرة في منحى حياته الشخصية . وأن نضرب على يديه عندما نلحظه يخل بهذا اليوم وأن غيابه من اجل الإحياء  وأن يستفيد من هذه الفرصة وأن يحييها بما تستحق وأن يمنحها جل اهتمامه حتى لا تصبح في معتقده أمراً هزلياً، فتعظيم الشعائر تحمل تنمية للمشاعر والأفكار وتوثيق العلاقة بيننا وبين العترة الطاهرة ،لا أن تصبح ظاهرة لا تعبر عن مضمون ثقافي أو منطلق عقائدي ، وخلاصة الكلام هي أن نثقف أولادنا ونفتح قلوبهم لهذه المنطلقات وهذه المعتقدات ولكن لا يكون على مصلحتهم.ونتفهم إن ابنائنا امانة في اعناقنا جميعا .واني اشيد بإخواني الخطباء والكتاب من تطرقوا لهذه الظاهرة حرصا من الجميع على ابنائنا.ويجب ان نمسك العصى من الوسط ونذكر انفسنا وان نعطي لأنفسنا مساحة من المرونة والواقعية ونحافظ على اجيالنا .واني احترم جميع الاراء وجهات النظر وردود الافعال التي سوف تصاحب تعليقات بعض الاخوة كما ورد في تعليقات اخواني وهذه وجهة نظري لا افرضها على احد حتى نرتقي بمجتمعنا ونحافظ على هويتنا ونتخذ من سيرة اهل البيت منهاجا لنا جميعا .

لذلك أتوقف لأقول إننا خلقنا وعجنت حياتنا بطينة أهل البيت وعلى خطهم سائرين وعلى مبادئهم وأخلاقهم رسمنا وخططنا حياتنا وإننا موتى لو لم نتعلق بسفينة أهل البيت والاستنارة بأخلاقهم هي النجاة لنا .

ولكي نقف على جادة الصواب ولا نسيئ الفهم من هذه المقالة اقول التالي:

وإحياء الذكرى ينبغي ان يكون إحياءً حقيقياً ينسجم مع تعاليم وتوصيات وارشادات أهل البيت (عليهم السلام) وينسجم مع دورهم في الحياة باعتبارهم أئمة وقادة وحجج وقدوة للناس أجمعين، وكل لون من الإحياء هو أمر محبوب ومرغوب،ولكن الإحياء الانسب ولأصوب هو إحياء لجميع ما يتعلق بأهل البيت(عليهم السلام) وكلّ مثاب عليه.

قال الإمام جعفر الصادق(عليه السلام): (نفس المهموم لنا المغتم لظلمنا تسبيح وهمّه لأمرنا عبادة وكتمانه لسرنا جهاد في سبيل الله.

لهذا يتوجب على الجميع عدم اساءة فهمي في هذا الطرح .

 

علي حسن آل ثاني كاتب في الشبكات المواقع والصحف المحلية والخليجية