الشعائر الحسينية: قيمة عقائدية و وسيلة تربوية في مقارعة الطغيان

 

 

 

لطالما أضحت الشعائر الحسينية مصدر قلق و ارق للأنظمة الظالمة، لهذا عمدت تلك الأنظمة لمحاربة تلك الشعائر و التضييق عليها بصور مختلفة، و لأن خلود ذكرى الحسين ميثاق إلهي نقلته مولاتنا العقيلة زينب  في حديثها للإمام زين العابدين عندما كان يجود بنفسه (بأبي هو و أمي) و هو يرى الأجساد صرعى و لم توارى الثرى، بالعراء مسلبيين، لا يكفنون ولا يوارون، ولايعرج عليهم أحد ولا يقربهم بشر كأنهم أهل بيت من الديلم  والخزر، نظرت إليه سيدتنا زينب فقالت: لا يجزعنك ما ترى فو الله إن ذلك لعهد من رسول الله إلى جدك وأبيك وعمك، ولقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض وهم معروفون في أهل السماوات أنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها، وهذه الجسوم المضرجة وينصبون لهذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره، ولا يعفو رسمه، على كرور الليالي و الأيام، وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه و تطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهورا وأمره إلا علوا. و هنا يوضح آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي(دام ظله) أن السيدة زينب لاتعني بأئمة الكفر الحكام اليهود او المسيح او غيرهم من الأديان، بل إن (أئمة الكفر) هم في الظاهر مسلمون ومن الذين يدعون التمسك بالإسلام والسنة المطهرة، لكنهم في حقيقة أمرهم كفّار مارقون. وتتجسد هذه الحقيقة أكثر إذا ما علمنا أن الله تبارك و تعالى قد اعتبر الكثير ممن لبسوا ثوب الإسلام ظاهريا، كفارا، فهؤلاء لم يكونوا و ثنيين أو يهوداً أو مسيحيين أو مجوساً، بل كانوا في ظاهر أمرهم ممن يقيمون الصلاة، و مع ذلك فقد سماهم القرآن الكريم صراحة كفاراً في قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ .

لهذا نجد أن جمال عاشوراء، و روحية إحياء شعائر الحسين تكمن في عفوية الناس في الإحياء، حيث ينقل هنا سماحة آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي(دام ظله) سؤال وجهه له أحد المستشرقين الألمان، حيث يتساءل لماذا يتغيّر كل شيء عندكم أيها الشيعة إذا اقترب هلال محرم لا بضغط من حكومة، ولا بمال من غني ، ولا بإعلام قوي، بل بشكل عفوي في حين أنكم تعتقدون بقول نبيكم صلى الله عليه وآله: "مداد العلماء خير من دماء الشهداء"، فلماذا ترفعون راية الحسين بينما يقرّر رسولكم أن مداد العلماء خير من دماء الشهداء؟

فيجيب سماحة السيد قائلاً: إنّ الحسين عليه السلام ليس شخصاً، بل هو قضية، وقيمة، ومدرسة، ومنهج، ومسيرة. فهو عليه السلام كالنبي إبراهيم الذي كان يمثّل امة، وكان حنيفاً مسلماً ولم يكن من المشركين، ولذلك فان جميع اتباع الديانات السماوية يقدّسون هذا الرجل لأنه جسّد قيمة التوحيد، ورفع راية (لا اله الا الله)، فتحول الى قيمة، ولذلك قرّر القرآن الكريم انه كان امة ، واستجاب له الله سبحانه وتعالى عندما قال: ﴿وَاجْعَل لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الاَخِرِينَ.

و يضيف سماحته: إننا نبكي الحسين بكاء الأبطال، ولكي نصبح حسينيين. فمثل هذه الشعائر هي التي حافظت على الإسلام، بلى هي التي حافظت علينا -نحن الشيعة- على مرّ التاريخ رغم كثافة المشاكل المحيطة بنا.

وهكذا فان ثورة الإمام الحسين كانت قضية فأصبحت قيمة، وكانت واقعة فتحولت إلى راية. وكل إنسان في هذا العالم يريد أن يدافع عن قيمه، وقضيته، وظلامته، لابد أن ينضوي تحت هذه الراية المقدسة.

الشعائر الحسينية ... وسيلة تربوية و قيمة عقائدية

لهذا من غير الإنصاف أن نقول أن الشعائر الحسينية خاوية من الأهداف، و أنها ممارسات عبثية حولها الناس إلى قيمة عقائدية خاوية من أي منهج ثقافي أو تربوي، و من الواضح جلياً أن بعض الشعائر الحسينية فرغت تماما من قيمتها التربوية و صار شيوعها و شهرتها و استخدامها تحدي متعصب لإثبات وجود، أو بتعبير آخر تعصب حزبي نكاية في الحزب الآخر المعارض. إن مجالس العزاء والبكاء و اللطم و التطبير و غيرها وما يكتب وينشر ونحو ذلك فيما يرتبط بالقضية الحسينية المقدسة، هي كلّها مقدمات لتحقيق هدف الإمام الحسين (صلوات الله عليه) من نهضته المقدّسة، لهذا من اللازم تبيانه سواء على الخطباء أو الكتاب هو تبيان تلك الأهداف، و عدم تغليب الجانب الحزبي المتعصب على الجانب الفكري و التربوي. بل إن إفراغ هذه الشعائر المقدسة من أهداف النهضة الحسينية، و تحريفها عن هدفها الأساس هو تغييب واضح بقصد أو بغير عن هدف النهضة الحسينية المباركة.

لهذا لم أتعجب و لن أتعجب عندما أسمع أو أرى لحكومات ظالمة تقوم بدعم جهة ترفع راية إحياء الشعائر الحسينية ظاهريا؛ و في الوقت ذاته تحارب جهة أخرى ترفع راية إحياء الشعائر و تقابل بالمنع و القمع و الاعتقال، إلا لأن الأولى تحيي الشعيرة و تفرغها من محتواها، بل تحاول عبرها إلى أدلجة الشعيرة وفق هوى و مبتغى الظالم.

لهذا يجب أن لا ننخدع بأقوال الذين يدّعون الدين، ويسعون بكلماتهم المعسولة إلى انحراف المجتمع. ففي التاريخ أن الحجّاج كان يبكي ويبتل وجهه بالدموع عندما كان يتكلّم عن التقوى، وكان يُبكي الناس. إن الإمام الحسين صلوات الله عليه بقيامه كان يهدف إلى بسط العدالة وأن يكون الحكم على أساس حكومة رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه. وأما معاوية ويزيد فإنهما قد غيّرا وحرّفا، وأبدلا ذلك بالظلم والعدوان وبارتكاب المجازر، وتبعهم في ذلك حكّام بني العباس، وكان حولهم أناس يمدحونهم ويمدحون أفعالهم بالباطل, كالمتملّقين الذي نعتوا المتوكّل الخمّار بـ(محيي السنّة ومميت البدعة!). لهذا لا عجب أن نرى عمامة تبكي الحسين فوق المنبر و تمدح أحفاد يزيد و بني العباس و تصفهم بأئمة الصلاح و الرشاد!