الجزء الثاني من القراءة ( فيليكس : نموٌ بالموت نحو الحياة )

 

 


 
لا زلتُ في نفس الفلك ، أدورُ بأعجوبة ، أصلي لله أن أطيرَ بعيدا عن السطحيات - غسالات العقول - و القشريات التي فيها من اليبس ما ينكر الماء ، فأنا إذ أقولُ ( نموٌ بالموت نحو الحياة ) ليس لأني معكوسة أو ( خالف تعرف ) ، إنما شبعتُ من كثرة المسلّمات في الحياة . أتختمني الأمور الطبيعية ، ذوات الحد المعقول ، و القراءة العادية ، الشعور المكرر ، الجوانب المعروفة و الصدارة المستهلكة.

( نموٌ بالموت نحو الحياة ) دعوة للنظر بطريقة أخرى ، فقط فكروا كم جسدا دفنا و لا زلنا نستخدمُ منه العقل و الفكرة ؟ لا تجيبوا الآن ، اقرؤوا فقط ، و لتكتسبوا من عندي الأفضل  فـ (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ )

1- الأرض حياةٌ للكل و ليست موطنا للكل ( قراءة لحظات : التموضع في الكبسولة )

أظن النفس التي تترك الأرض و الجاذبية و تستغني عن طقوس الآدميين تؤمن بالحياة المصنع و ليست الحياة المنتجات ، الحياة التي هي نفسُها خامُ نفسِها ، واردُها صادرُها ، و الإنسان فيها منبع و مصب ، فنحن إذ ننادي بالتجرد و التخلي و الحد من حالات التعلق نجدنا لا نسعى لشيء ، و هنا يظهر فيليكس الذي سعى

فإيجاد معيار التخلي الاختياري حتى من الدرجة صفر في الملكية ليس أمرا بسيطا ، فقد كان هو ، بما عليه ، و ما يقبع فيه ، قابل للتلاشي ، للانعدام ، رغم ترك الكل الذي لا يعني العدم  ، فنحن رياضيا عندما ننفي الكلية ( ننفي قدرة " كل " الأنفس على تجاوز سرعة الصوت ) نكون نثبت الوجودية ، كما أننا عندما لا نؤكد هذه الوجودية ( وجود نفس تفوق الصوت سرعة )  نكون أصلا لا ننفيها ، و هنا تكمن الحالة الفيليكسية التي كسرت المسلّمة حد الصنع النظري المبرهن

كيف ؟ ..
لمجرد أن فيليكس آمن بالسماء كوطن ..
تصالح علميا مع المخاطر بالجهوزية ، و أطلق نفسه بطريقته ..

2- خرق السرعة النهائية بالبطء الابتدائي ( قراءة لحظات : الارتفاع ببطء )

هنا جمالية أخرى قابلة أن تُقرأ ، فمؤاخاة الشيء بالتبني حتى الإثبات لا تجر لمعاداة الضد و نفي الحاجة له
لمجرد أنك اختلفت عنه / أو عليه ، هذا تماما ما أوضحه سلوك الارتفاع بالبطء النسبي مقابل التأهب للهبوط الأشد من نفاث ، و في هذه الآلية تفاهم هادئ بين ما أريد الآن و ما دفعتُ ثمنا باهظا قبل قليل ، فقط لأني قررتُ الإرادة و قررتُ العمل

فالطامحونَ في دنيانا كثر ، إنما أثمان الإرادات المطلوبة لا توازي الكثرة ، و قفزة فيليكس علمتنا أن الموازاة مطلوبة و الطرق المستقيمة سبل نجاة و كل انحراف زاوي أو دوران ، هو قيمة لفشل ، كمية من الخسران

فترصدوا المرابح من مزارع لكم - من جهدكم الخاص - لتكن لكم غدا
حصادا يعرفُ المواسم و يعرفُ كيف ينمو ..

3- ترك المصير على عاتق ثانية غير مضمونة  ( قراءة لحظات : فحص المعدات )

من يجد نفسه موضوعة في كل كائن حي ، متحدة مع الطبيعة الحية ، ذراتها غير مقصورة على جسدها البسيط مقابل الكون المعقد يعودُ لا يخشى فقدانَ الجزء الشخصي من نفسِه ما دام يعتبرُها ملَكَة عامة ، و ما دامَ يؤمنُ بمبدأ التسخير الفردي مقابل حظوة الجماعة

فحتى نستلذ بالفحص الذاتي الذي انهمك فيه فيليكس بغية الخروج بالقرار المصيري المرتقب ، و الذي أحال القرن المعمّر - في حينه - رهن الثانية التي هو في صدد أن يقررَ فيها ، لابد أن نفكرَ في الحديث الداخلي لنفس تشرعُ أن تترك الحياة لتمنحنا حياة أفضل ، نفس تصادق الموت حد الالتحام ،  فقط لتجعل من الأشياء غير المعقولة صديقة لنا ، لكن أغلبنا لا يفكر عادة .. يعادي عادة .. و يثرثر فقط

4- الترك مقابل الحيازة ( قراءة لحظات : القرار بإمكانية القفز )

بالفطرة ، نحب النوال ، نعطي عندما نضمن ، فالأمن الذاتي رفيعاتٌ امتيازاته كما شأنه لدينا كبير ، لكن العبرة في من يعي السنة الكونية في حسن التعايش بالتوافق التام ، فمصادقة الحالة الكونية ترنيمة انسجام  و الإيمان بالمادة الموجودة في كل حيز – عُرفتْ أدركتْ أم لا – هو إيمانٌ بتفاعل الطاقات إيجابيا ، إيمانٌ بالقدرة اللا محدودة ، بالتجاوز للتجربة و العودة بالنتيجة ، بالأبواب الحديثة و بالسلام

و عليه ما كان الكون عنيفا مع فيليكس لما اخترقه بلطف ( بارتفاع بطيء .. ينشأ عن بالون من هليوم ) كحالة مسالمة عند التصافح و تسليم عند الإيمان ، كأنما يترك للبالون الخيار ، و يترك لنفسه التصالح مع كل الخيارات و بالتالي تمنحه هذه الخيارات في مجموعها الأفضل

و لذلك لا يلزمنا إلا القليل من الربط و التأمل ..
فالإيمان بحسن العاقبة و جمال النتيجة هو : حسن ظن بالله و بجمال الهدية من لدن العزيز المكين

5- الأبواب المغلقة أهداف مظلومة / أو موءودة ( قراءة لحظات : فتح الباب )

هنا نتحدث عمن يدرك معنى الانسان فلا يعود يرضى بظلم الإنسان ، و إن كان في نفسه ، كظلم رغبات التعرف و مسالك الفضول الآدمي مع قيام الرغبة و المسلك على أساس علمي ذي قاعدة من بيانات المخاطر المحتملة و معلومات الخرائط الوقائية

هنا لابد أن نركز على ضرورة وجود البيان و  وجود المعلومة في ذات الحين ، الأمر الذي يؤكد وجود طريقة معالجة معروفة ، تحول البيان المتوفر إلى معلومة مفيدة تُنجح الاقتحام المدروس للموصد دائما و الذي يعد – أي هذا الاقتحام - جرأة علمية مطلوبة و رخص ذاتي قيم عالميا .. و هكذا تكون البرمجة الموظفة ، البرمجة الذكية .. هكذا نخترق الحجب و ندير الذوات ..

6- بدون أرض ، بدون كبسولة  ( قراءة لحظات : السقوط )

وحده رهن بدلة ، تُرتدى للمرة الأولى ، إما تخذله أو تنصره بإذن الله ، ففيليكس ما حمل معه حلمه فحسب ، بل أخذ أحلام الطيار و الفلكي و رائد الفضاء ، أخذ أحلام بوابات العلم التواقة أن تُفتح و تُجدد في مضامير الطب و الفيزياء و الذكاء البرمجي و الاحتمالات و القائمة تطول

أخذ كل هذا في عقله المؤمل الأفضل ، الجامع أمنيات مسار التطور البشري و حالة التجديد اللازمة التأريخ الإنساني و مع هذا كله نجد من يقول : و ما علاقتي بما قام و ماذا أستفيد ؟
هكذا الدنيا ، أشخاص تفكر في الكل و لا تجد في عقلها ( أنا )
و آخرون لا يجدون أحدا غير أناتهم في كل الأمكنة
فكونوا للآخرين يكونوا لكم

7- مواجهة الانتكاسة ( قراءة لحظات : الانحراف)

بداية السقوط لا تعتبر لحظة عصف شعوري و احتقان فكري و استحثاث نتيجة كي تقع ، لكن تغير قراءة الحدث وقت وقوع الحدث الانحرافي أعده انحرافا آخر تماما ، لأنه لما كان الأمر طبيعيا سليما معقولا كان الدرس بسيطا جدا ، حيث حينها المطلوب أن تحافظ على فعلك الأول ، اتزانك الأول ، تركيزك الأول و الثابت ، المحددة صفته و المحدد اتجاهه

لكن عند الانحراف القراءة اختلفت ، الفعل الأول فُقد ، الاتزان الأول فُقد ، التركيز شتَّ عن النقطة الثابتة ، صفة السقوط غير مسيطر عليها ، كما أنه ما عاد لفيليكس اتجاه محدد ، لذلك - الآن - أنا المشاهد ماذا أستنبط مما أعايش ؟ ما هو التوظيف الإيجابي الأكثر دقة للصورة الحية التي كما قفزتُ معها ، أنحرفُ الآن معها  ، كيف أقوم بالقراءة هنا ، كيف أعيد صياغتي فأعود ثابتة ؟


سأترك لك الإجابة ، أما عني .. فأجد جمالا يمنيني سد آذاني عن كل ما يقال ، الجمال هذا أقول عنه التالي : إذا كان – حينها - كل ما يحدث كذبا فلأخلق صدقا مما أرى ، ففيليكس الآن ينحرف ، يضرب جهات الكون ، يحاول السيطرة ، يبحث عن عمود يقيه الانزياح الصافع ، هذا العمود هو القدرة ، بوصلة الإيمان بالذات ، مكمن الفطرة ، إذن ، ماذا يكون غير الله ، الرب الذي يرى الانحراف و يرى المحاولة و يملك القدرة

الرب الذي أعزى إليه فيليكس اختياره هذا الهدف و نجاح هذا الاختيار عندما قال : ( أؤمن بالرب في كل مكان و أن هذا الرب قد أعطى كل انسان خطة ، و مشروع Red ball Strartos   أظنه خطتي من عنده ) فانتهوا عن تكفير العالم ، تطييف الآدميين ، و قراءة الأديان – حصرا – وفق الشعائر التي تمارسونها
اتركوا للآخرين علاقتهم الداخلية و صلواتهم الخاصة بالرب

8- البحث عن مستقيم ( قراءة لحظات : الدوران )

هناك فرق كبير بين الحفاظ على استقامة تصنعُ سقوطا عموديا و بين البحث عن استقامة تعيد تهيئة السقوط بالتموضع العمودي ، ففي الحالة الأخيرة يكون الانفلات من كل واد ، و يكون البعد الذهني قيد قياس العديد من التغيرات

لكن فيليكس آمن أنه يستطيع الحياة ، يستطيع النجاة و يستطيع الوصول بكل النتائج التي تغير مسارات العالم و أبجديات القوام العلمي ، و لأن الإيمان مع الإرادة له محصلة علنية مدروسة معروفة ، نجد فيليكس نجح ، حصل ، عُرفَ علنا و قامت من لدن ما فعل مدرسة ، فلتكونوا أصحاب مدارس بدلا من تشويه صاحب المدرسة

9- القرن المعمر رهن الثواني المولودة ( قراءة لحظات : فتح المنطاد)

من طوابع الذات العلمية الركون للتجربة التي تزداد خطورة مدروسة في كل مرة ، فالذي يقول : ( أنك عندما تكرر الفعل بنجاح ، لا تعود ترضى به ، لا يعود يقنعك و لا تراه نجاحا أصلا ، عندها يتضخم الهدف مع وجود الخطر ، لأن النتيجة المأمونة لا تستدعي التجريب و غياب الإثارة يغيّب الحاجة إلى الحياة ، الحياة التي هي ما وراء الحافة ، ما وراء الحاجز ، ما وراء الحجاب )

هذا ما يعتقده فيليكس ، هذا النظر الانقلابي الذي يرى في تجاوز اللا معقول عقلا ، الذي يؤمن بقدرة العقل على تعقيل الفعل المستحيل عند الذات البشرية فيغدو ممكنا ، لذلك تجده ما فقد القدرة على القرار عند فقدان القدرة على المواصلة في السقوط الحر ، كما أن الضغط من أعلاه و الجذب أسفله ما أفلتَ من ذهنه ضرورة التقدير الذي يحتاجه قرار قص حرية السقوط و إيكال الأمر لمنطاد

المنطاد الذي هو حالة اكتفاء ، تصدُّ العند و التهور و المغامرة ، ترضخُ للقيد الموضوع عن علمية و اتفاق ، تشكرُ مستوى الانجاز و تأمل الأفضل في المراحل التالية  ، و هذا أيضا فكر آخر ينجم عن الحالة الفيليكسية

10- الوصول رسالة انطلاق ( قراءة لحظات : الوصول ، السلامة و النجاح  )

هكذا تغدو النهايات بدايات و المستحيلات إمكانيات ، هكذا الطاقة التي هي الكوامن و هي المحركات ، و لنفكر شعوريا إذا ما استطعنا إثبات الصحة أو تفنيد الواقعية ، لنأخذ من الأمور أفضلها و أكثرها جمالا ، و لنحدث أنفسنا كالتالي : إنسانٌ ما ، يصل أرضنا سالما ، يرفع الخوذة ، يرى الأخضر و الأزرق و اليابس ، في جعبته الكثير من حاجات العالم ، له أم ترتقب ، له أفراد عائلة و علوم في الواجهة و آمال علماء ، و متابعون من كل بقاع الدنيا يحبون لو يعود فيليكس بسلامة و يتنفس بطبيعية و حداثة و ميزة مبرهنة و قانونية

هنا ، ماذا ينبغي أن نشعر - نحن الذين نقول لا عائدا و لا فائدة سننال من هذه الخدعة - أظن أنه يمكننا على الأقل أن نسعد لأمر الأم التي عاد ابنها إليها سالما ، يشق الأرض معلنا عهدا جديدا سيغير الكثير ، ( طبعا هذا إذا لا زلنا ننادي بالمشاركة الوجدانية و التسوية العالمية و مراعاة حق الإنسان لأخيه في الإنسانية )


أخيرا ، لمن قالوا  بالخدعة و أنهم لا يقبلون من يخادعهم أقول :
كثيرون يتابعون علوم الخدع البصرية ، و لا ينكرون على أصحاب الخدعة المهارة و الإتقان ، فلماذا هنا تجري الأمور على خلاف العادة ، ألعملقة الخدعة أم لتفاهة العقل المقارن و المقارب و القارئ المتلقي للحدث العملاق ؟

و دون انتظار إجابة ، سأجيب أنا بطريقتي الخاصة ، أولا اتركوا الذين يخادعونكم علنا ، الذين يمدونكم بمنتجاتهم و تمدونهم بأموالكم ثم يروحون يقتّلون فيكم و يجعلونكم تخادعون حتى أنفسكم -  أعني أعداءكم ذوي المراتب الأولى -  ثم قولوا أن فيليكس مخادع ، و أن المشروع بهرجة سياسية و اعتبروني هنا أقرأ خدعة ليس إلا

إضاءة :

الفكر الشعوري لا يحتاج منك أن تصدقه ، يكفيه من نفسه أن يصدق ما فيها ليعمل بشكل موجب