صرخاتها و صرخاته !

 

 

 

هي : يومياً ، وأثناء عودته من عمله ، يدخل البيت وكأن القط قد أكل لسانه ، ورمى به عند جيرانه ، فيدخل كالأخرس حتى يخلع ثيابه بغرفة النوم ، وبعد أن يستحم ، يجلس أمامنا صم بكم عمي لا يريد أن يتكلمون ! فقط يسمعون ، وربما يخطئ مرة بالأسبوع  ويتعب نفسه بإلقاء السلام أو كلمة ( هلا أو قوة ، باللهجة العامية ) ..  يسحب وجبة غداءه الباردة من صندوق الفرن ، ثم يطلب الشاي ليحتسيه معنا .. لكن ما فائدة الجلوس مع من يقتصر كلامه وسؤاله بــ : أين الريموت ؟  هل يوجد خبز للعشاء ؟  متى ستذهبين بيت أهلك أو السوق ؟  وهكذا ، وعند الليل يجلس أمام شاشة تلفازه ، وأصابعه تحتضن جواله الثمين ، وعقله مع أذنيه في حالة انتظار دائم لنغمة رسائل السفن اب ! ، هل عرفتم من أقصد ؟ إنه زوجي !

هـو : بمجرد دخولي البيت ، ينتابني شعور أني داخل كهف رعب بمدينة الملاهي ، إذ أنا في حالة ترقب  ما نوعية التكشيرة   التي سأستقبل بها هذا اليوم ، فلديها عدة أنواع وموديلات بجعبتها ، فقد أصبحت الابتسامة من أساطير المسلسلات والأفلام ، أو من الإشاعات بقاموسها .. لا أنكر إنها تبتسم أحياناً ، لكن أثناء حوارها بالجوال ، أما مع صديقاتها ، أو أخواتها وآخر شخص أمها ، لأن أمها للشكاوي فقط .. ودائماً تزعجني وتستقبلني بكومة من طلباتها الشخصية أو طلبات البيت والأولاد ، وكأن الدنيا ستنتهي الأن ، أو الشمس أحرقت شمعاتها ، والمصيبة إنها تحاسبني اليوم على ما جرى بالأمس ، سواء أحداث غرفة النوم ، أو باقي الغرف ! .. هل عرفتم من أقصد ؟ إنها زوجتي !

هي : ماذا أقول لكم ؟ وبماذا أشتكي ؟ فما أكثر سهره مع أصدقائه بالمقاهي ، أو تجمعات شلة الاستراحة التي لاتؤتي ثمار ! وإذا تذكرنا وجلس معنا ، فيلتزم الصمت، وكأنه فتاة خجلة بليلة خطوبتها ، وبمجرد أن يتصل به أحدهم ، تراه ثرثار كمذيع الـسي إن إن ! يخبرهم بالصّماني والعمّاني .. أما بخصوص السفر، فما أكثر سفراته وصولاته وجولاته ، وكلها دورات وتدريب ، حتى توقعت إنه سيصبح خبير الأمة العربية ، ولن أنسى نظافته ، فكم تمنيت أن يهتم أكثر بنظافته الشخصية وخاصة أسنانه ، وسأصبر على كبر كرشه ، فأنا بصراحة أحب اليسير من التعبير والتدبير، فكم مرة نوهت له ، بأني أشتاق أن تتصل بي فجأة ، وتأمرني بالخروج معك ، هكذا أريدك زوجي ، شريك يشعر بي  ويحترم وجودي حوله ، ويحتضنني بدلاً عن المخدة اللعينة .

هـو : ماذا أقول لكم ؟ وبماذا أشتكي ؟ فما أكثر سهرها وسمرها مع صديقاتها ، فأما بدارنا أو ببيوت صديقاتها ، وما أكثر دعوات الزواج التي تلبيها ، وما أن تعود للبيت ، حتى تمسح القناع الحرباوي الذي صنعته بوجهها ، ويبقي لي الواقع ! وما أكثر طلبات المطاعم بالليل ، وكأن الطبخ صنع لوجبتي الإفطار والغداء فقط ، وإذا جلست بجانبي ، تلمح وترمح ، وكأنها أنثى سبع ، فكم مرة أخبرتها أني أريد زوجة أنثى حقيقية ، منها الغنج يتبخر ويتفجر ، والله إن بداخلها ذكراً ، ورأيت بصماته أمامي .

أنتما الأثنان ! أتقوا الله في نفسيكما ، لماذا النظر والتركيز إلي سلبيات الطرف الأخر؟ وهل خلقتم من كروموسوم سلبي ؟ هل خلقتم وعشتم برحم متشائم متكدر؟ أنظروا إلي الحسنات والإيجابيات ، فنحن بشر ! ولسنا معصومون ، ولايوجد شريك كامل بالخلق والأخلاق ، فالعملية نسبية وتناسب ، وقناعة وتكيف مع الوضع ، فلابد أن نرى القشة بالرز ، والقمعة بالطماطم ، وما حبة الخال بخد الفتاة ، إلا وشمة مشوهة صغيرة نتخيلها نقطة انطلاق للجمال ، وهنا الواقع الإيجابي .

روائي وباحث اجتماعي