قراءة في بيان الشباب السعودي


 

 

لست شابا حتى أوقع على بيان الشباب السعودي الذي صدر يوم 30 مارس 2012 ، ولذا سأترك التوقيع للشباب، غير أنني لن أقف منه موقف المتفرج بل سأحاول أن أقوم بقراءة بسيطة فيه.

أن يصدر بيان من الشباب السعودي أو شريحة منهم يتعلق بمجالات الشأن العام، فهذا أمر يستحق الإشادة في حد ذاته. وأن يكون موضوع البيان الأول ضمان الحريات وأدب الاختلاف فهذا تطور لافت في مستوى الخطاب الشبابي الذي أصبح أكثر وعيا بمتطلبات العصر وأكثر قدرة وجرأة على طرح التساؤلات الإنسانية الكبرى حول الحرية والعدالة وحقوق الإنسان وغيرها والبحث عن إجاباتها من منظور إسلامي.

نحن إذن أمام جيل جديد يتعاطى الشأن العام برؤية وطنية إصلاحية تتمحور حول تحقيق مقاصد الشريعة في الواقع الخارجي. ومن هنا فإن على المسؤولين وأصحاب القرار التقاط هذه اللحظة بعناية والإنصات لصوت الشباب وفتح قنوات الحوار الفعالة معهم.

البيان الذي يستفيد من التقنيات الحديثة في التواصل لجمع أكبر عدد من الموقعين، يستحق الكثير من القراءة والتأمل، ولكننا سنكتفي في هذه العجالة بوقفات سريعة.

  1. البيان شبابي، وبالتالي فليس من المستغرب أن يحفل بالعديد من اللاءات تصريحا أو تضمينا من مثل (لا نقبل، لا يمكن السكوت عنه، لا يرضى، نرفض، نستنكر)، فهو يعبر عن روح شبابية جديدة تتطلع إلى الانعتاق وتسعى لرسم مستقبل أفضل لها يتجاوز سلبيات الواقع الراهن.
  2. لغة البيان تكشف عن مستوى عال من الثقة بالذات والاعتداد بقدرتها على الحديث عن نفسها بنفسها، وأنها ليست بحاجة لوصاية أحد عليها، فقد بلغت مرحلة الرشد وتحمل المسؤولية واتخاذ القرار.
  3. التعبير عن التململ الشديد لدى الموقعين مما أسمته "الصراعات التصفوية المتناحرة" التي أهدرت الطاقات وشغلت الساحة، وأدت "إلى انحراف الخطاب الديني والثقافي عن القضايا الجوهرية الكبرى التي تهم وتلامس مصلحة الوطن والمواطن، والانزلاق في قضايا جزئية حزبية فئوية ضيقة." كما يقول البيان.
    ولعل هذا يشير إلى الصراعات البينية بين السلفية التقليدية والليبراليين، أو بين تيار السلفية المحافظ والآخر الإصلاحي.
  4. يركز البيان أيضا على الجانب البنائي، حيث يدعو إلى الحوار والوحدة والتعددية والحرية وقبول الآخر، كما يدعو إلى بناء مؤسسات مجتمع مدني تستوعب الجميع، وبشكل أوسع إلى بناء دولة الحقوق والمؤسسات.
    وهذا يدل على نظرة تكاملية ناضجة لدى الشباب، واستيعاب للغة العصر السياسية.
  5. حضور الإسلام في البيان كمرجعية من خلال التأكيد في بداية البيان على السعي لتحقيق مقاصد الشريعة والشعور بفخر الانتماء لها، ثم التأكيد في نهايته على السعي أيضا لخلق بيئة صحية ومجتمع يقتدي بالرسول الكريم ، بالإضافة إلى ما بين البداية والنهاية من عبارات تصب في هذا الإطار من مثل " نحن الشباب المسلم..."
  6. الموقعون على البيان هم من الجنسين، وهذا أمر إيجابي، حيث أصبح الحضور النسائي اليوم أكثر فاعلية في المشهد السياسي. ولكي نفهم هذا التطور يمكننا أن نقرأ الأسماء الموقعة على "العريضة المدنية" في ديسمبر 1990 والتي طرحت عدة مطالب سياسية، لنرى عدم وجود أي اسم نسائي فيها.
  7. البيان لم يُشِر صراحة إلى ضرورة احترام التعددية المذهبية في المجتمع السعودي، وإن كان يمكن أن نقرأ ذلك ضمنا في رفض ثقافة التحريض والإقصاء والدعوة إلى الحوار والتعددية، ولكن – من وجهة نظري – كان ينبغي أن تذكر هذه النقطة بصورة صريحة باعتبارها واحدة من أكبر المشكلات وأعقدها في الساحة اليوم، ليس على مستوى الوطن فحسب، بل على مستوى العالم الإسلامي كله.

البيان بلا شك يعد قفزة نوعية جيدة تضاف للجهود الأخرى التي تبذل من قبل الواعين من أبناء المجتمع الحريصين على بناء مستقبل واعد يشعر فيه الجميع بالمواطنة الكاملة التي تحقق المساواة والعدالة والحرية والشراكة الحقيقية.

أخيرا يمكن الاطلاع على البيان من خلال الرابط التالي: بيان الشباب السعودي

شاعر وأديب