القمة الخليجية والربيع العربي


 

 

تنعقد اليوم القمة الخليجية في الرياض. هي القمة الرسمية الأولى التي تأتي في ظل نجاحات وإخفاقات الربيع العربي. فبينما يبحث المواطن الخليجي عن مكانته وطموحاته في مجلس التعاون الخليجي، فإن المجلس تشغله الهموم الأمنية والسياسية والاقتصادية. انجازات المجلس أقل من طموحات مواطنيه. بيد أن طموحاته كتكتل ينبغي أن تحذو حذو التكتلات المشابهة له كالاتحاد الأوربي. لذا ليس من المتوقع من القمة الحالية سوى عناوين كبيرة، كالعادة، بحاجة إلى زمن طويل لتنفيذها.

قمة الرياض في نتائجها السياسية لن تختلف عما جاء في بيان قمتهم التشاورية في مايو الماضي تجاه بلدان الربيع العربي مثل تونس ومصر واليمن وسورية والبحرين. كل مواطن يعرف أن بيان قمة اليوم سيتضمن التالي: ترحيب بمواقف حكومة البحرين، دعوة لوقف عنف الدولة في سوريا، دعوة اليمنيين للتضامن مع المبادرة الخليجية حقناً للدماء، ترحيب بتشكيل الحكومة التونسية، تأييد لنجاح الانتخابات في مصر، وتهنئة الليبيين بسقوط القذافي.

   تهيمن على الساحة العربية تفاعلات وإرهاصات الربيع العربي. الخليج جزء من العالم العربي وسيتأثر بهذا الربيع شئنا أم أبينا. بينما تتمنى بعض شعوب الخليج وصول ربيع العرب إليها فإن جميع حكومات الخليج تسأل الله أن يجنبها خيره وشره. لا أحد يعلم اليوم كيف سيصل إلينا هذا الإعصار ومتى سيكون ذلك، لأن التغيير سنة الحياة وإذا زحف فهو أشبه بإعصار تسونامي يأخذ في طريقه كل شيء، البشر والحجر. من كان يصدق في يوم من الأيام أن يتفتت الاتحاد السوفيتي أو يسقط حسني مبارك أو يُقتل معمر القذافي.

يمكننا أن نطلق على قمة اليوم أسم "قمة الأوضاع العربية"، لأن أهم موضوع ينبغي تبنيه هو: كيف تبدأ دول المجلس في احتواء شعوبها وترتيب أوراقها كجدار صد أولي لإعصار الربيع العربي القادم. فقطار الربيع سيمر على أراضينا، كل ما نحتاجه هو تفهم احتياجاته وإبداء المرونة الكافية للتأقلم مع سرعته بسرعة مناسبة وإلا فقد يحدث ما لا يحمد عقباه علينا جميعاً. المركب يا قادة الخليج بحاجة إلى لحظة إنقاذ منكم تتمثل في إرادة سياسية تستوعب حاجات المواطنين وتعمل على تلبيتها وأهمها: حفظ كرامة المواطن الخليجي وحريته، سيادة القانون الوطني،  المساواة بين المواطنين، العدالة الاجتماعية، سن قانون يجرم التخوين الوطني أو تكفير المواطنين.

منذ 4 فبراير 1981م والمواطن الخليجي يثير السؤال تلو السؤال عما أنجزه المجلس لمواطنيه، وذلك من أبسط حقوقه، لأن من يطالع مسيرة تأسيس المجلس، ويتمعن في نظامه الأساسي، ويرى هيكله التنظيمي من مجلس أعلى وهيئات ومنظمات ومجالس وزارية ولجان فرعية وأمانة عامة، ولا يلمس في الوقت ذاته انجازات تمسه بشكل مباشر يظن بعبثية بقائه. فقمة الرياض اليوم هي القمة الـ32.

انجازات مجلس التعاون تظهر أكثرها في الجوانب الأمنية، في احتضان الكويت والكويتيين وتحرير الكويت فترة الغزو الصدامي، في التعاون للسيطرة على تنظيم القاعدة والإرهاب، في الاتفاقات الأمنية الثنائية والجماعية، في عبور المواطن إلى منافذ دول المجلس بالبطاقة الوطنية. أما بقية الانجازات فلا تتعدى الشكليات في الجوانب التنموية في جميع مناحيها الصحية والمعيشية والتعليمية والإسكانية.

نتوقع من القمة الحالية عناوين جذابة ومضامين ضرورية ولكن تتعثر، كما هو الأمر في عالمنا الثالث بعوامل البيروقراطية فتبقى طموحاتنا الخليجية أكبر بأشواط عديدة عما ينبغي أن تكون عليه التكتلات في عصرنا الحاضر. صحيح بأن البعض يطالب بأن تكون إستراتيجية مجلس التعاون الجديدة هي عقد اتفاقيات مع العالم الخارجي بشكل جماعي، أي مع المجلس وليس عبر اتفاقيات منفردة، وصحيح أن هذا مؤشر قوة، ولكن ماذا بعد ذلك؟ أين مصالح المواطن الخليجي في كل ذلك؟ ألا من مجيب؟

كاتب وباحث