علاقة شيعة الخليج بإيران والعراق2/2


 

 

تحدثنا في المقال السابق عن خطورة هيمنة النظرة الأمنية على بعض حكومات ومجتمعات دول مجلس التعاون الخليجي في نظرتهم وتعاملهم مع شيعة الخليج، مما كرس حالة من الريبة والشك حول علاقتهم مع إيران والعراق حتى أمسوا ضحية التوتر الدائم بين حكوماتهم وحكومتي إيران والعراق، فيتم اتهامهم وتخوينهم وطنياً، بينما أصل علاقتهم بإيران والعراق لا يقوم إلا على روابط اجتماعية ودينية.

شيعة الخليج ليس دخلاء على منطقة الخليج كما يحلو للبعض تصويرهم، بل التشيع في الخليج ليس وليداً إيرانياً على الضفة الشرقية لمياه الخليج ثم نزح إلى غربه كما يشيع أعداء الشيعة عنهم. الأمر على عكس من ذلك تماماً، فبينما تاريخ التشيع والشيعة في الخليج - القطيف والأحساء والبحرين- يعود إلى أيام خليفة رسول الله ص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع، فإن تاريخ الحكم الصفوي في إيران لا يتعدى خمسة قرون من الآن عندما شكل الملك إسماعيل عام 1510م الأسرة الصفوية الحاكمة حتى عام 1722م وجعلت إيران بلداً شيعياً.(الشيعة، هاينس هالم:63)

من جهة أخرى فإن الشيعة والتشيع ليسا بظاهرة إيرانية أو فارسية أو صفوية، بل هي في الأصل نبعت وتمددت من أصل عربي ثم توسعت في بلاد العالم ومن ضمنها إيران. وفي سياق البحث عن موضوع أصل الشيعة وأصولها يقول المستشرق الألماني هاينس هالم في كتابه: الشيعة ص 34-35: "إن الشيعة نشأت في العراق وفي وسط عربي بحت. ومن الضروري تأكيد ذلك لأن المعلقين يزعمون دوماً أن الشيعة ظاهرة إيرانية وهي غريبة كلياً عن طبيعة العرب...لكن الشيعة تبقى من ناحية أصولها ونشأتها عربية تماماً كالإسلام نفسه".

أما ماهية وحقيقة الروابط القائمة بين شيعة الخليج وإيران والعراق فإنها روابط عائلية وعشائرية واجتماعية وثقافية ودينية. يوجد في إيران والعراق أضرحة مقدسة للأئمة عليهم السلام يرتبط شيعة الخليج بهم روحياً ودينياً ارتباطاً لا ينفك يدفعهم على مداومة زيارتهم عن قرب بالسفر لمراقدهم وعن بعد بزيارتهم والسلام عليهم. في العراق 6 مراقد تضم الأئمة: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع، الإمام الحسين ع، الإمام موسى بن جعفر الكاظم ع، الإمام محمد بن علي الجواد ع، الإمام علي بن محمد الهادي ع، الإمام الحسن بن علي العسكري ع، ناهيك عن مراقد أخرى لعلماء الشيعة وأماكن لها قدسية تاريخية عندهم. أما في إيران فهناك مرقد الإمام علي بن موسى الرضا ع في مدينة مشهد ومرقد أخته المعصومة في مدينة قم.

بالطبع هناك وجوه أخرى لقيام واستمرار تلك العلاقة بين مجتمعات شيعة ضفتي الخليج، لا يسع المجال للاستطراد فيها، نذكرها على عجل، منها: وجود مراجع الدين في العراق وإيران الذين يتلقى منهم شيعة الخليج والعالم الإسلامي الفتوى في أمور حياتهم اليومية وأمور دينهم وعبادتهم. وجود الحوزات العلمية في قم ومشهد والنجف وكربلاء، وهي بمثابة الجامعات التي يتلقى فيها علماء شيعة الخليج تعليمهم وتدرجهم في العلوم الدينية منذ قرون طويلة.

 كل ما سبق ساهم في وجود تداخل وتصاهر اجتماعيين بين مجتمعات الشيعة في الخليج والمجتمعين العراقي والإيراني، بل هناك روابط ضاربة في أعماق التاريخ كرابطة الدم القائمة على العلاقات العشائرية والعائلية... فعوائل كثيرة في العراق أصولها قادمة من الأحساء والقطيف والبحرين وعمان، والعكس صحيح أيضاً ومُحرز، بحيث نجد عوائل خليجية أصولها قادمة من مناطق العراق كالبصرة وكربلاء والنجف. ويمكن عرض أسماء لعوائل كثيرة ينطبق عليها هذا الحال مثل: الشخص، النمر، آل إبراهيم،  الشعلة، العتيبي، العلي، الناصر، الفرج، القطان، الحربي، الصالح، الحمود، الوزان، السادة، الحسين، الصايغ، الجاسم، المؤمن، البيات، البحراني، بو خمسين، الشافعي، الحداد، الصراف، الصفار...

هي حالة حقيقية لا مجرد تشابه في السماء كما يتصور البعض. ولمن أراد التزود فعليه مراجعة كتب الأنساب والقبائل...واليوم تتوطد تلك الامتدادات العائلية بشكل مستمر من خلال التصاهر بين شيعة الخليج وشيعة العراق وإيران. هي عملية لم تتوقف منذ القدم حتى يومنا الحاضر وأن تعرضت الحالة لحالات بين المد والجزر متأثرةً بالأوضاع السياسية والاقتصادية والتحولات الاجتماعية في الجانبين. المحصلة النهائية هي أن قسماً لا بأس به من عوائل الشيعة مرتبطة ببعضها من الأحساء والقطيف مروراً بقطر والإمارات والبحرين والكويت ووصولاً إلى العراق...ثم يأتي من يصور العلاقة بين الطرفين بالعمالة والتخوين الوطنيين.

كاتب وباحث