ماذا أنت فاعل يا صديقي ؟

 

بداية : فضلاً لا أمراً طالع ما قاله الثري الشهير " نقولا حايك " الذي أنهض إمبراطورية صناعة الساعات السويسرية من كبوتها وحوّلها إلى مصدر للمليارات : " الوقت رائع ورهيب في آن واحد ، إنه عملي وحياتي ، ورغم ذلك تراني أكره الوقت .. لماذا ؟ لأنني لا أستطيع أن أمنع جريانه ، لا يمكنني أن أمتلكه ، هو حاضر دائماً ، وإذا حاولت الإمساك به تبدّد ، لا يحاولنّ أحد ان يلجأ إلى حيل خاصة لخداع الوقت . فمهما فعل فسوف يهزمه الوقت

 لطالما سمعنا الناس يردِّدون أن " الوقت من ذهب " في الواقع أن الوقت تتعدى قيمته قيمة الذهب . فإذا خسرت الذهب أو المال يمكنك التعويض عنهما ، وتكديس أكثر مما خسرته من قبل ، وفي السياق نفسه نقول : أن الوقت والذهب لا حدود له ، أما الوقت فإنه محدود ، والمؤسف أن البعض يتصرف كما لو أن العكس هو الصحيح !!

 ومن الواضح أنه في عالمنا المعاصر - عصر السرعة والضغط النفسي - قد إكتسب الوقت أهمية لم يعرفها يوماً ما من قبل ، فقد تحول إلى مورد قابل لأن ينضب ، ومع ذلك فإن الطلب عليه كثير جداً ، لأن معظم الناس يحاول القيام بأمور كثيرة في وقت واحد . وحيث أنك تستطيع أن تحصل على المزيد من المال ، وليس على المزيد من الوقت ، عليك أن تصرف وقتك بحكمة أكبر من حكمتك في صرف المال .

 إذا أردت أن تجعل الوقت حليفاً لك ، لا يمكنك أن تصارعه بإستمرار ، فمحاربة الوقت ضربٌ من الجنون تماماً كمحاولة التغلب على الجاذبية الأرضية ، فالوقت ، كالجاذبية ، سيسبقك ويخلِّفك وراءه ، فما من شيء يفضح سعيك إلى السباق مع الوقت أكثر من كونك على عجلة دائماً من أمرك ، وبهذا الأمر لا يمكنك أن تعيش حياة مزدهرة وآمنه ، فليس هدف الحياة أن نعبرها بأسرع وقت ، وكما جاء في الأثر " اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً " وفي التأني السلامة وفي العجلة الندامة .

 أعتقد أنه بدلاً من أن " ندير " الوقت ، علينا العمل على أن " نتجاوز الوقت " حيث أن تجاوز الوقت يعتبر جزء من التجربة العامة التي نعيشها ، لأننا في هذه الحالة نصبح قادرين على إنجاز العمل الذي نريده ، وبالسرعة المناسبة لنا ، وهنا أتذكر حكمة بليغة سبق أن قراتها منذ سنوات خلت في التقويم الذي تقوم بطباعته شركة أرامكو السعودية ، حيث كانت تقول : " إذا أردت أن تصل بسرعة فتمهّل " وهذا يتطابق مع المثل الألماني القديم الذي يقول : " كلّما أسرعنا ... تخلّفنا أكثر " والواقع يؤكد ذلك بل جدال .

يقول الأديب الإنجليزي " وليم شكسبير " في هذا الجانب : " أُفضِّل أن يأكلني الصدأ حتى الموت على أن تبددني الحركة الدائمة وتنثرني هباء " فماذا أنت فاعل بعد هذا كله ؟
           قد يدرك المتأني بعض حاجته       وقد يكون مع المستعجل الزلل    ( القطامي )

إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية