مجسات في طريق العبور


 

نفتش عن الإصلاح كل يوم فلا نراه ؟!، نفتش عن الإصلاح الموعود الذي نرتقبه منذ أمد بعيد فلا نشاهده، نرمقه بشغف القلوب العارمة دون أن نشاهد غير السراب، نتلفت يمنة ويسرة لعله يرتع هنا أو يلهو هناك دون أنسمع له حسيس أو نجوى.. فمتى سيأتي موعده المظفر؟! هل يتطلب منا وقتاً لنراه ؟! أم أن الطابور الذي نقف فيه لا يتحرك؟! أم أن مقدمه المبارك  ينتظر منا صلاة الاستسقاء لتأتي سحابته المثقلة بالخجل؟! أم أن الحياء يمنعه من الظهور على خشبة المسرح؟!

تساؤلات لا نهاية لها  تلتهب في أعماق الكثيرين فلا تنفك علامات الاستفهام عن عذريتها بالإجابة، إلا إذا كان العرب يقولون شيئاً ويقصدون خلافه، حينها فقط سنقول أننا فهمنا القصة، ويا ويلنا من المقبل علينا نحن الجزيريون !!

الشعب الحالم بأيامٍ وردية لا يعلم ماذا سيأتيه أو يحل به ؟! فهو كالفزاعة لا قيمة لها ولا حراك، فقط عليه السمع والطاعة، الطاعة العمياء الصماء البكماء، فقط قف مكانك دون رواح، وظيفتك الدائمة والأبدية  الصمت، الصمت المطبق، كن كمقبرة بلا حياة، كن كأرض جرداء بلا نبات، كوحل جامد لا ينبس بشفه، كن كجدار أسمنتي لا يتزحزح عن مكانه، أنت يا شعبي هكذا يجب أن تكون، أنت يا شعبي  لا يحق لك الانتفاضة وسحق الغبار المتراكم فوق رأسك، أنت يا شعبي محكوم عليك بالسجن والتكبيل والغل  كما يشاء الحاكم الفاتح المغوار، كن حجرا مقيداً تحركك كيفما تشاء أصابع السلطة، لا تتحدث مطلقا كتمثال جندي صخري لا يتحرك لا يتكلم لا يسمع ولا يشم حتى !!

موجك السلمي البديع يجب أن يخرس، فهو مطلب لا يتسم بالحضارة، فالفوضوية المريعة تتطفل فيه، إننا لا نشاهد الثكنات العسكرية وجرائمها في تهشيم الواجهات والمحلات التجارية الآمنة، لا نشاهد رشق المسالمين بوابل الرصاص والقنابل الدمعية، لا نشاهد التضييق على الناس بالاستفزاز في نقاط التفتيش البوليسي، لا نشاهد الاعتقالات الهوجاء ومداهمة البيوت عنوة، لا نشاهد ملأ السجون بالأبرياء من أبناء الوطن الحبيب، بل نخترع – أسفاً - لهم ألف عذر وعذر، أولسنا عبيداً في أيديهم؟!، أو لم تختم على جباهنا الواسعة بذل عبوديتهم أختامهم؟!، فتجد أن الخطيب المفوه فينا والكاتب المتحذلق منا، يرغمك بأفكاره وسطوره العصماء التي تنطق بالحكم والدساتير النيرة : محرم عليك أن تهتف بكلمة هيهات، فلا يجوز لك أن ترفض الذلة المفصلة لك بنسيج الأكفان، محرم عليك أن تتنفس بأنفاس الحرية والكرامة فأنفاسك أخطر من أنفاس التبغ اللعين، محرم عليك أن ترفع علم المستضعفين والمظلومين فأنت تدشن بتصرفاتك للطائفية البغيضة وتحرق ألوية الوحدة الوطنية، محرم عليك أن تهتف بمصالح مجتمعك فأنت تقوض مصالح الوطن وتفتح ثغور العدو ليهرب للداخل، وأخيراً وليس آخراً محرم عليك أن تمشي وتسير، وإن كان سيرك صامتاً سلمياً من غير شعار فان الله لم يقل : (سيروا في الأرض ) !!

أولئك القوم يتمنون للأمة حياة سعيدة من غير عناء، يحلمون بالإصلاح الذي تحدثنا عنه وهم مكتوفي الأيدي والأرجل والأفواه، يتمنون أن تمطر السماء بالذهب والفضة وهم يفتحون أفواههم بقوة وعيونهم مغمضة دهراً ولا ينطقون إلا بالكفر، الكفر الذريع الذي أخرنا قروناً، وينسون أن نيل المطالب لا يأخذ بالتمني إنما بالغلاب !! فالفرج لا يتحقق بالصبر السلبي، وعليه فلننطلق بكل أريحية، ونحو الابتكار المحلق دون ممانعة السوابق، فلكل ضربة أثر، وفي الضربة المليون ينكسر الصخر !!

سلطات اليوم تخشى إذ لم تكن تخشى في سابق عهودها، بالأمس كانت تُجوع الشعوب وتدوس على كرامته بطريقة (السجاد العجمي) فينفع كثيراً، أما اليوم فلا بد من تقديم اللحم والجزر و…، وبعض الدراهم خلسة، وتحريك رجالاتها من ذوي الخاصية البراقة في عيون الناس، ليتم الحراب من الداخل فينشغل الناس عن شهوة السلطان ولياليه الحمراء السمينة !!

هناك من يريد السيادة وإن كانت بلا مناصب، وهناك من يحرك الشفاه ويظن أن العلم لا يهتف بالعمل، فكم من عالم حجز لعلمه  تذكرة بصمته الجداري ؟!، علينا أن نتخلص من عوائق الطريق قبل أن نتحرك فيثقلنا المسير، وإلا فإننا لن نخطو إلا للوراء، وبذلك تتسع تخمة الحاكم الجائر، الذي سلب حقوق الفقراء ليتمتع بها الأغنياء والأثرياء ورجالات السلطنة وأصحاب الصولجان الذهبي !!

لنترفع عن مصالحنا ومكاسبنا، ولنتنفس التضحية من أجل السجناء المظلومين، من أجل الشعوب المسحوقة، من أجل إقامة العدل ورفض الظلم بكل ما نمتلك من قوة، التقوى التي نتغنى بها كل يوم جمعة تحملنا أن نقف مع أنفسنا لنحاسبها قبل يوم الحساب، التقوى التي ندعيها تحملنا مسؤولية الإصلاح والسعي الحثيث من أجل إيجاد الحل السليم، فلنترك التراشق، ولنبدأ العمل بصدق من أجل إرجاع الحقوق المسلوبة والمقوضة، فهو مطلب كل العقلاء، أما السكوت عن الحق فهو صانع الشيطان فينا قبل الخرس !
عبد العزيز حسن آل زايد