عاشوراء ... (يوم المظلوم)

حسين أحمد بزبوز

تعارف البشر في مشارق الأرض ومغاربها، على وضع قضاياهم الهامة والمصيرية، على جدول الأيام والمناسبات العالمية. لإعطائها أولوية في حياة الناس والأمم والشعوب. لذا، فهناك اليوم: عيد الأم وأسبوع المرور وأسبوع الشجرة وعيد الحب ويوم البريد العالمي والأسبوع العالمي لمحو الأمية ويوم المعلم ويوم الصحة العالمي ... الخ. ولن أنسى طبعاً (يوم القدس العالمي)*، المخصص للدفاع عن القضية الفلسطينية. وهو آخر يوم جمعة من شهر رمضان المبارك. الذي أعلنه سماحة آية الله العظمى الإمام الخميني (قدس الله سره)، في السابع من آب سنة 1979 م.

ولقد أحصى بعض المهتمين، أكثر من (100 مناسبة عالمية وعربية وخليجية). مما يدل على كثرة تلك المناسبات. وفي ظل هذا الزخم الهائل من المناسبات، تغيب قضية من أهم قضايانا البشرية والعالمية، وهي قضية (المظلومين والمستضعفين في الأرض). الذين لم يستحقوا كما يبدو - بحسب علمي - من قادة ودول العالم، أن يكون للبشرية، ولو يوم واحد فقط، يحتفى فيه بالمظلومية، ويطالب فيه برفع الظلم والاعتداء، عن كافة المظلومين من بني الإنسان.

طبعاً, من الطبيعي أن تُغيَّب في مثل هذا العالم، مثل هذه المطالبة والقضية الحساسة والهامة، عن جدول المناسبات العالمية. في عالمٍ، يرسم غالب خارطة مناسباته العالمية، الأقوياء والجبابرة والساسة الكبار. الذين ليس من صالحهم طبعاً، أن يستحدثوا يوماً مخصصاً للمظلومية والمظلومين في الأرض، كمناسبة عالمية، يسلط فيها الضوء، على قضايا الظلم البشرية. إلا على الأقل، أن يؤخذ الإذن منهم أولاً.

ورغم احتفاء الشيعة الإمامية الإثني عشرية عبر العصور، بيوم (المظلوم) في كل عام، منذ مقتل الإمام الحسين إلى الآن، إلا أن احتفاءهم بذلك اليوم، ظل كمناسبة شيعية دينية سنوية، يتم التركيز فيها، على بعض المظاهر الشكلية الخارجية. مما أعطى الفرصة للمبغضين والمنافسين والمعارضين والحاقدين، للسخرية من تلك المناسبة، باعتبارها مناسبة: (للبكاء والأكل واللطم)، ومن ثم تغييب أهدافها الحقيقية، وتعويق تحولها ليوم عالمي أو مناسبة عالمية، للمظلومين والمستضعفين، في كافة أنحاء المعمورة.

ونحن الشيعة، نعلم بالتأكيد، أن الإمام الحسين ، لم يخرج من أجل ثورة أو مناسبة بكاء أو لطم أو طعام عالمية أو إقليمية، تحيى في كل عام. وإن كان ذلك، من المظاهر المشروعة في إحياء المناسبة. لكن هذه المظاهر، باتت في هذا العصر، تسهم بقدرٍ ما في تغييب حقيقة المناسبة، وبتنا اليوم في الحقيقة بحاجة ماسة، لأساليب عصرية مبتكرة، تستهدف إبراز جوهر قضية الإمام الحسين ، وهو الإصلاح السياسي والإنتصار للمظلومين في الأرض.

لقد خرج الإمام الحسين   - وهو القائل: "إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم" -، من أجل هذا الهدف النبيل، ولم يفرق في خروجه، بين الخروج لنصرة مظلومٍ شيعي أو سني أو نصراني أو يهودي ... الخ. بل خرج للإصلاح، من أجل الإنسان المظلوم، عبادة لله، فحسب.

لكننا كما يبدو، لم نفلح نحن الشيعة بعد، في نصرة الإمام الحسين ، عبر إبراز قضيته الحقيقة هذه، التي خرج من أجلها، كما ينبغي. باعتبارها قضية إنسانية عالمية عامة، تستحق يوماً على الأقل من أيام العام في هذا العالم، يكون تحت مسمى (يوم المظلوم) أو (يوم المستضعفين في الأرض)، تحيى فيه قضايا المظلومين والمستضعفين في الأرض.

وأعلم أن ذلك اليوم، غير مرحب به عالمياً، من قبل الظالمين والمفسدين في الأرض. لكن القضية مشروعة وإنسانية مشرِّفة، تستحق منا، السعي وبذل الجهد والمحاولة العاقلة والهادئة، البعيدة كل البعد طبعاً، عن العنتريات الفاشلة.

وفي النهاية، فربما نفلح اليوم، عبر القليل من الجهد الإعلامي المعاصر، عبر الإعلام الحسيني الواعي، في الخروج بالإمام الحسين ، وقضيته الحقيقية الخالدة، من شرنقتنا الضيقة، التي حبست فيها طويلاً. لتحتل تلك القضية في عصرنا هذا، موقعيتها الحقيقية الهامة اللائقة، الطبيعية والإنسانية والعالمية، التي تم تغييبها عنها، مئات السنين. فهذا هو المرجو اليوم ... والسلام.

وهو يومٌ من أيام المظلومين والمستضعفين في الأرض. لكن، عنوانه الواضح والمعروف هو القدس والقضية الفلسطينة.