منهجية الغدير

عبدالله فاران

قصة الغدير تلك التي كانت مفصلاً مهماً من مفاصل الإسلام تعتبر (مسؤولية وثقافة ) أكثر من كونها قصة عابرة، لأنها كانت بأمرمن السماء , والذي لو لم يفعله رسول الله الأمين محمد لما بلغ رسالته السماوية رغم كل التضحيات التي قدمها من أجل الإسلام على نص الآية الشريفة " فإن لم تفعل فما بلغت رسالتك ".

فتناول مسألة الغدير أمر مرتبط بأصل من أصول الدين الإسلامي , فهي رسالة أصل لا فرع , ورسالة تأسيس مهّد لامتداد الدين الإسلامي بتنصيب الإمام علي أميراً للمؤمنين , وهذا مما لا شك فيه يحفظ رسالة الإسلام و يحفظ فاعليتها و يعضد القرآن الكريم بها حيث جاء كلام النبي ( ص) " .. كتاب الله و عترتي "، فهذان الشيئان هما دستور الإسلام و قانونه , فلو ترك أحدهما حدث الخلل لأن كلا الجزئين مكمل للآخر.

في الغدير إتمام النعمة

إن القرآن الكريم بشكل واضح يصرح بأن نعمة الإسلام لم تكن مكتملة إلا في لمحة زمانية جاءت بتعبير "اليوم" في الآية "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا" سورة المائدة آية 3

فنعمة الإسلام كملت بتنصيب علي في ذلك اليوم العظيم المشهود الذي اجتمع فيه قرابة 220 ألف من مختلف الجنسيات التي أوقفت في ذلك المكان عند مفترق طرق, لكن بعض المشككين في هذه المسألة الواضحة الجلية يقف وقفة المتخبط ويحاول أن يخرج بعض المخارج الواهية التي لم تنل منها الأمة غير الضعف والتقهقر ,  فيأخذ على سبيل المثال كلمة الرسول "من كنت مولاه فهذا علي مولاه" على أن قصد النبي من كنت حبيبه فهذا علي حبيبه ! أو من كنت ناصره فهذا علي ناصره ! وهل يعقل بالنبي وهو الذي على خلق عظيم وصاحب الحكمة الرفيعة  أن يوقف كل ذلك الجمع ليخبر الناس بأنه من كنت حبيبه فهذا علي حبيبه ؟!

مثل هذه العقول تناست بأن الصديق والعدو يشهد لعلي بواقعة الغدير, و أن قول النبي خاص بعلي دون غيره من الناس, فلا مجال للتشكيك أكثر واللعب على عقول المسلمين .

دور الاتزان و منهجيته في حياة صاحب الغدير

إن من المعلوم بأن كل النتائج الإيجابية في شتى الميادين الإقتصادية و الإجتماعية و السياسية هي نتيجة لاتخاذ القرار الصحيح , والقرار الصحيح هو نتيجة للاتزان و المعرفة وهذا بحث مفصل عند علماء النفس اليوم, فنرى أن علياً ( ع ) هو خط الإتزان الرائع والمتين الذي قاد زمام تلك الرقعة الكبيرة من الأرض بشكل منقطع النظير. فالمنظّر لحكم علي و حنكته السياسية وقراراته الاقتصادية و معايشته الاجتماعية  لا يستطيع بأن ينطق بغير اتزانه .

و كثيرة هي الأمثلة التي يزخر التاريخ بها كقصة النصراني الفقير الذي كان يعيش في الكوفة و يستجدي الناس فوجه الإمام السؤال إلى من حوله من الناس قائلا : ما هذا ؟!  ( ولم يقل من هذا و شتان بين المعنيين).

فقالوا له : إنه نصراني كبر و شاخ ولم يقدر على العمل, وليس له مال يعيش به, فيكتنف الناس، فقال علي في غضب : استعملتموه في شبابه حتى إذا كبر تركتموه ؟ ثم جعل الإمام علي لذلك النصراني من بيت مال المسلمين مرتبا خاصا ليعيش به حتى يأتيه الموت .
فلم تكن تظهر ملامح الفقر في الدولة الإسلامية في عهد علي , بل كان الفقر من الملامح المستغربة آنذاك غير الطبيعية أيضاً , حتى وإن لم يكن الفقير منتميا للإسلام حتى يعرف العالم كله  بأن الحكومة الإسلامية تقضي على الفقر لا بالنسبة للمسلمين فحسب بل حتى على الكفار إذا كانوا ضمن محيط الدولة الإسلامية .

وهذا مثال واحد على كون علي عليه السلام هو الاتزان الأشمل بعد النبي فمعالجته لحالة الفقر التي تعتبر من أنكى وأشد المصاعب التي يواجهها العالم يعتبر حالة فريدة من نوعها .

فأينك يا علي لترى عالم الماديات اليوم و انتشار الفقر في العالم كله ؟
فها هو العالم بأسره يضج من حالات الفقر و الفساد المترتب عليه فماذا خسر من تبعك يا علي , وماذا ربح من تركك ؟
فلو تبع الناس نهجك و أطاعوا رسول الله فيما أمر واتبعوا مبادئ الغدير لأعطتهم السماء قطرها والأرض بركتها ولما سفك دم و لعاش الناس العدالة والفضيلة و الأخلاق الحميده .

لكن يبقى الأمل لأن يعود الناس لنهجك مرة أخرى سيدي , فالفرصة مفتوحة للعودة للغدير و مبادئه ونبعه الصافي و الحقيقي , كي ينهضوا من جديد . فـ" كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته "