رحلة مع الذات

رحلة مع الذات

إستيقظ عصراً في يوم إجازته الأسبوعية , وكان شعلةً من النشاط والحيوية لقضاء يومٍ حافلٍ بالمتعة والإثارة , تحمم وارتدى ملابسَ أنيقة ووقف أمام المرآة يصفف شعره. نظر إلى نفسه في المرآة وفجأةً أخذ يخاطب نفسه : إلى أين أنت ذاهب؟!

فأجاب نفسه: مع الأصدقاء , ربما إلى البحر , إلى السوق , إلى الصالة الترفيهية... لا أدري... إلى أي مكانٍ نستمتع فيه.

غادر غرفته إلى المطبخ ليشرب كوباً من الماء قبل خروجه وفجأةً جلس على الأريكة وأخذ يتأمل قليلاً ثم قال لنفسه: حقاًّ... إلى أين أنا ذاهبٌ؟!, لم يبق مكانٌ ترفيهيٌّ لم أذهب إليه في هذه البلدة, وقد قضيت أوقاتا طويلة مع الأصدقاء في الرحلات والسفر فعلى ماذا حصلت بعد كل هذا؟

-أحس بدوار شديدٍ فقرر البقاء في المنزل.

سأل نفسه مجدداً: ماذا صنعتَ هذا الأسبوع؟

-أخذ يفكر طويلاً ووصل إلى نتيجةٍ مخيبةٍ....لاشيء.

تساءل إلى متى سأظل هكذا؟

متى سأتغير؟....متى سيصبح لحياتي معناً؟

لماذا لا أذهب للحج في هذا العام؟

لماذا لا أخمس مالي؟

لماذا لم أتزوج إلى الآن؟

لماذا؟....لماذا؟....لماذا؟

صرخ صرخةً قوية...آآآآآآه ....ماهذه الحياة الهمجية؟!

حياةٌ مبعثرةٌ بلا أهدافٍ مستقبليةٍ , بلا معالم أو ملامح ,استمتاعٌ ولا مبالاةٌ بشيءٍ يذكر.

صمت لحظةً وأخذ نفساً عميقاً وكأنّ حياةً قد سرت في بدنه وغذّت قلبه وروحه ثم زفر الهواء من صدره وكأنه تخلص من أدران تلك النفس الضائعة.

منذ اللحظة سأغير حياتي كليّاً , سأحجُّ وأتزوج , وسأبحث عن أصدقاء جدد أسعد بصحبتهم وأستفيد من مجالستهم , سأذهب للمسجد يوميّاً.

سأفعل....وإذا بهاتفه الخلوي يرن.

إنه أحد أصدقائه , تردد أيجيب أم لا.....وبعد أن رنّ الهاتف ثلاث مرات أجاب: نعم

الصديق:أين أنت؟ نحن بانتظارك للذهاب للبحر.

- لن أذهب معكم.

الصديق: ولكننا اتفقنا أن نذهب جميعاً والكلُّ متواجدٌ هنا سواك أنت, هيا دع عنك الكسل وتعال لنمرح.

-اذهبوا فأنا ذهبت إلى رحلةٍ من نوعٍ خاص.

الصديق: رحلةٌ دون إخبارنا أيها الخائن! , مع من ذهبت؟ وإلىأين؟ هياّ أجب.

- رحلةٌ مع الذات.

الصديق: وهو يضحك , رحلةٌ مع ماذا؟! هل وقعتَ في الحب؟

- أنا لستُ في مزاجٍ لأتحدث معك الآن...إلى اللقاء وأقفل الهاتف.

 

مسكينٌ هذا الصديق , إلى متى ستظل هكذا؟!

منغمسٌ في مستنقع اللذات , سيأتي يومٌ وتفيق من سباتك وأرجو أن يكون قريباً.

عاد لغرفته واستبدل بدلته بثوبٍ أبيض , أحسّ وكأنه وُلد للساعة وأنّ الحياةَ مشرقةٌ أمامه وأن لديه الكثير من الأمور ليقوم بها.

نظر إلى ساعته ووجد أنها قاربت السادسة وقد قرُب وقت الصلاة , توضأ وتلا بعضاً من آي القرآن الكريم ثم قبّله وقال: حقاً لقد كانت أمتعَ رحلةٍ لي , رحلةٌ مع الذات أيقظتني من غفلتي وأحيت لي وجداني وأضاءت لي درب آخرتي عندما ألقى ربي.

طبيب جراحة عامة