الجار قبل الدار.. علي جعفر آل لباد نموذجًا قولًا وفعلاً

كانت بداية معرفتي بالشاب المرحوم والأخ والصديق والجار العزيز علي جعفر آل لباد «أبا سيف» رحمه الله، حين بدأتُ العمل في منزلي الجديد الواقع في حي الزور «نيوبيش» قبل أربع سنوات، وتحديدًا في عام 2022م. وكان أول لقاء جمعني به في موقع البناء، إذ كان منزله ملاصقًا لمنزلي، وقد سبقني بوقتٍ طويل في مراحل البناء، ولم يبقَ له سوى القليل ليستقر فيه مع عائلته الكريمة. ولا أنسى فرحته الكبيرة بقرب موعد انتقاله إلى منزله الجديد، وكان يردد دائمًا: ”الحمد لله الذي مكنني من تملك منزل في هذا العمر يجمعني بعائلتي.“

وفي الوقت الذي كنتُ فيه في بداية مشوار البناء، وهو مشوار يعلم كل من مرّ به كم هو شاق نفسيًا وجسديًا وماديًا، كنت أرى في أبا سيف الجار الذي كان يمكن، كغيره من الناس، أن يكتفي بالسلام والتعارف ثم ينصرف لشؤونه ومشاغل حياته. فمشروع البناء يستهلك الإنسان من كل جوانبه، ويجعله قليل القدرة على تحمل أي أعباء إضافية. فالطاقات البشرية محدودة، والضغوط كثيرة.

لكن الجار العزيز أبا سيف كان مختلفًا تمامًا، وبعيدًا عن هذا التصور المألوف. وقبل أن أبدأ بذكر ما فعله معي هذا القلب الطيب، أود أن أوضح طبيعة المشاعر التي ربطتني به. فقد شعرت بانجذاب روحي وشبه كيميائي نحوه، حتى بدا لي وكأنني أعرفه منذ سنوات طويلة، لا منذ فترة قصيرة. هذه المشاعر الصادقة كسرت كل الحواجز بسرعة، وأسست علاقة قوية متينة بيننا، وكان له الفضل الأكبر في إزالة العقبات، بفضل مهاراته الاجتماعية وذكائه في كسب القلوب دون تكلف أو مشقة على الطرف الآخر.

وهذا الأسلوب الجميل هو ذاته الذي صنعه مع بقية الجيران؛ إذ أحبوه وأحبّهم في فترة قصيرة، وما كشف مقدار محبته في نفوسهم إلا حين جاء خبر رحيله المفاجئ إلى الرفيق الأعلى صباح يوم الجمعة 21/11/2025. لقد كان ذلك الخبر صدمة موجعة هزّت الجيران وأهالي الحي جميعًا، كبارًا وصغارًا، بين مكذّب ومصدّق، لكنها إرادة الله التي لا رادّ لها، وهو سبحانه أرحم به من والديه ومن جميع خلقه.

كان للمرحوم أبي سيف حلم إنساني جميل، إذ كان يتمنى تأسيس رابطة تجمع جيران الحي بعد استقرارهم من عناء البناء، ولكن القدر لم يمهله ليرى حلمه يتحقق. وهذا الحلم لم يأتِ من فراغ، بل من تربية أسرية أصيلة وتنشئة صالحة نشأ عليها في بيت والديه وأسرته الكريمة.

وسأذكر - باختصار شديد - بعضًا من فضائله عليّ وعلى أسرتي، وما خفي منها أعظم. حين بدأتُ مشوار البناء، كان سندًا لوجستيًا ومعنويًا، يشجعني ويرفع معنوياتي لمقاومة الصعوبات والتحديات. قدّم لي تصورًا واضحًا عن كل مرحلة من مراحل البناء استنادًا إلى تجربته، ثم تجاوز ذلك فحمل على عاتقه متابعة تفاصيل بناء منزلي مرحلة بعد أخرى، وكأنه منزله، يبث فيّ روح الأمل والانتصار على التعب والمشقة.

وبعد أن منّ الله عليّ بإتمام منزلي وسكنتُ فيه، لم يتوقف دعمه ولا عطاؤه، وظلّ خير جار، وصدق فيه القول: ”الجار قبل الدار، وأخٌ لو لم تلده أمك.“

وكنت في غاية السعادة أن رزقني الله جارًا كالمرحوم أبا سيف، وكنتُ أشعر حقًا أنني محظوظ بجيرته المباركة. ولا أنسى كذلك وقفات بقية الجيران، وبالخصوص الجار الفاضل الخلوق الأستاذ محمد مرتضى النخلاوي حفظه الله، الذي كان هو الآخر نعم الجار والأخ، وقد بذل معي جهدًا وكرمًا كبيرين سيبقى أثرهما على رأسي ما حييت. وما لنا إلا أن نفوّض أمرنا لله؛ فالأمر إليه والمرجع له.

«إنا لله وإنا إليه راجعون»

رحمك الله يا جاري العزيز وأخي الغالي أبا سيف، لقد فجعتُ برحيلك السريع إلى الرفيق الأعلى. كنتَ نعم الجار، ونِعم الأخ والصديق، وصدق فيك القول وبدون مبالغة:

الجار قبل الدار.. قولًا وفعلاً.

جزاك الله عني خير الجزاء، وجعل كل ما قدمتَ لي ولأسرتي في ميزان حسناتك. لقد أتعبتك معي منذ أول يوم في بناء البيت، وحتى بعد أن أتمّ الله لنا السكن والاستقرار، لم تتوقف خدماتك ولا عطاؤك، بل ازددت كرمًا ومودةً حتى أحرجتنا بفضلك. ولا أعلم كيف أرد لك جميلك أو جميل أسرتك الكريمة.

رحمك الله برحمته الواسعة، وأسكنك فسيح جناته، وحشرك مع محمد وآله الطيبين الطاهرين.

والفاتحة على روحك الطاهرة.

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

كاتب رأي، وموظف في القطاع المصرفي.