العالم الرقمي وعقلية القرد
أول من أطلق مصطلح عقلية القرد «أو عقلية القرد» هم الصينيون، حين شبهوا التنقل السريع والعشوائي والمتلاحق بين الأفكار بعقل القرد؛ وذلك لأن هذا السلوك يشبه سلوك القرد الذي يتنقل بين الأشجار للبحث عن الموز أو المتعة، وهو في حال مستمر من الخوف والقلق غير المبرر.
ويشبه هذا السلوك - الذي يسمى «The monkey mind phenomenon» - ما يقوم به كثيرون اليوم من مدمني مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي؛ إذ يتنقلون لساعات من موقع لآخر ومن تطبيق لآخر غير مكتفين بواحد ولا اثنين، كما أن القرد قد يجد شجرة موز كثيفة مليئة بالموز فيأكل منها قليلًا ثم نجده يتركها باحثًا عن غيرها، ربما تكون أقل منها موزًا، لا لهدف إلا القلق من دون سبب. ربما يكون ذلك بسبب خوف من مجهول لا أحد يعلمه، أو بسبب ضوضاء داخلية، أو عدم رضا بالموجود حتى إن كان ما سيجده أقل جودة أو كمية مما هو أمامه اليوم.
وحتى حينما يكون التنقل والتقافز ما بين مصادر معلوماتية متنوعة يقوم القارئ فيها بقراءة أجزاء قصيرة من مواد قرائية متنوعة، ولا يكاد يثبت على أحدها، فإنه بذلك إنما يغذي هذه الظاهرة، ما قد يعني محصلة معرفية ضعيفة، إضافة إلى ترسيخ حالة التشتت الذهني.
وتتحدث الدكتورة جينيفر شانون بالتفصيل عن هذا السلوك من قبل القرد والإنسان في كتابها «لا تغذِّ عقلية القرد لديك»، حين تتعرض لعدم قدرة البعض على الثبات على تفكير ومسار واحد، بل التنقل السريع والعشوائي بين الأفكار الكثيرة ووسائل المعرفة المتنوعة؛ بهدف المتعة بأقل جهد ممكن، مع تواصل حالة القلق والخوف.
وتسعى الكاتبة شانون في البداية إلى معرفة أسباب هذه الحالة في سبيل التوصل إلى علاجها من خلال ما يسمى العلاج السلوكي المعرفي، الذي يتضمن خطوات مفصلة تتمثل في «التخطيط والتركيز والتأمل والرضا».
بهذا نستنتج أن عقلية القرد يمكن ألا تكون مشكلة مستديمة، حيث يمكن علاجها عبر التدريب وعبر التقليل من المشتتات الرقمية واللجوء إلى تمارين التأمل والهدوء الذهني التي تساعد في التحكم في الأفكار، ومع الوقت التخلص من هذه الحالة المتفشية.
وتتداخل وتتقاطع هذه الحالة مع نظرية أخرى سبق أن كتبنا عنها؛ وهي ظاهرة الإشباع الفوري، التي تعني الميل إلى الحصول على فائدة فورية وإن كانت قليلة، مقابل فوائد كبيرة لكنها متأخرة.







