كنز ثمين بنكهة شيطانية
العجب كل العجب ممن نذر نفسه لتتبع عورات الآخرين وأخطائهم، وجعل من سلوكه هذا عادة يومية متأصلة يمارسها على مدار الساعة، وبحسب تصنيفه للخطأ في قوة تأثيره وانتشاره وشيوعه بين الناس يكون حجم تفاعله زيادةً أو نقصانًا، لكنه على كل حال يمارس هذه العادة المقيتة ويبالغ في ممارستها.
إن عملية البحث والتفتيش الدقيق عن أخطاء الناس من خلال الأخبار التي يتم التقاطها عن طريق التواصل البشري في المحادثات واللقاءات والحوارات وما شاكلها، أو التواصل الإلكتروني من خلال برامج السوشيل ميديا المختلفة، هي بمثابة بحث عن كنز نفيس بالنسبة لمن ينتمون لتلك الفئة، فإن عثروا على خطأ أو مثلبة سعدوا بها واستبشروا كمرحلة أولى، يليها تقييم للخطأ من قبلهم وفق معايير معينة تخصهم، وبالطبع فهي معايير بعيدة كل البعد عن الدين والأخلاق، ولكنها قريبة حد الالتصاق من الشيطان، وكلما زاد قربها من نيرانه كانت من النوع الثمين الذي لا بد وأن يتم نشره وإذاعته بجميع الوسائل المتاحة في أرجاء المعمورة.
كنوز ذات نكهة شيطانية يتم بثها بين الناس، ولا أظن أن الغرض من نشرها ينتمي لتلك المفردة الجميلة مفردة الخير، بل إنها في الجانب الآخر حيث الشر بكل قبحه وعفنه وبشاعته فهو غلافها ومضمونها، ومهما حاول أصحاب ذلك الفكر جاهدين لإيجاد المبررات الخيرة لذلك الفعل، فلن يصمد ولا مبرر واحد أمام السلوك الإنساني السوي الذي يرفض ويستنكر ذلك الفعل.
إن أمثال هؤلاء النوعية من البشر الذين لا تردعهم أحكام الشريعة ومحاسن الأخلاق، لا بد وأن يجابهوا بالخَيّرِينَ من أبناء المجتمع الذين لا يرضيهم مثل تلك السلوكيات الشائنة، وأقل إجراء يمكنهم القيام به هو عدم نشر أو تداول مثل تلك العورات والمثالب الشخصية، كما يمكنهم تصعيد تلك الإجراءات بإجراءٍ أقوى كمنع تلك الفئة من الخوض في الحديث عن أخطاء الناس؛ حتى يخوضوا في حديث غيره، حديث فيه النصيحة والخير وستر العورات وإخفاء الأخطاء، وأن يكون الحديث عن الأخطاء بعمومها وعدم تخصيص فردٍ بعينه أو أسرة بعينها، على أن يكون الإصلاح في المجتمع هو الدافع الحقيقي وراء ذلك الحديث.
إن محاولتنا الجادة والصادقة والمستمرة لاستئصال ذلك السلوك من جذوره وفي مراحله الأولى وقبل أن ينبت لهو عين الصواب؛ حتى لا يجد الشيطان له مدخلاً يلج منه في نفوس أولئك الذين لا هدف لهم في الحياة سوى الطعن في هذا وذاك، مع تسقيط متعمد لأفراد المجتمع وتشويههم بصورة تدريجية بدءًا من واحدهم إلى أن يشمل التشويه كل المجتمع بكافة فئاته.
هدية نقدمها لتلك الفئة النشاز وهي مجانية، وكلنا أمل بأن تكون كلماتها وما تحمله من مضامين كالأجراس التي تدق في آذانهم؛ كي تنبههم بأن يحفظوا ألسنتهم عن ذكر عورات الآخرين، وهي هذه الأبيات:
لِسَانُكَ لاَ تَذْكُرْ بِهِ عَوْرَةَ امْرِئٍ
فَكُلُّكَ عَوْرَاتٌ وَلِلنَّاسِ أَلْسُنُ
وَعَيْنَاكَ إنْ أَبْدَتْ إِلَيْكَ مَعَايِباً
فَدَعْهَا وَقُلْ يَا عَيْنُ لِلنَّاسِ أَعْيُنُ