خِزَانَتُكَ فارغة

ننشغل في حياتنا انشغالاً يقترب من الكُليّة؛ وذلك لمتابعة خِزَانات الآخرين وما تحويه من شهاداتٍ وكؤوسٍ ودروعٍ وهدايا في مختلف المجالات والميادين والتخصصات والإبداعات، بل ونتابع أيضًا كل جديد وحديث يضاف إلى خزاناتهم. هذه المتابعة إلى هذا الحد الذي يكسر كل الحدود ودون حراك منا لمتابعة ما هو أولى بالمتابعة، هي متابعة غير صحية وغير مقبولة، وإن تطورت وزادت عن ذلك فيمكن وصفها - دون مبالغة - بأنها متابعة مرضية تستوجب زيارة العيادة الصحية للفحص ومن ثَمّ أخذ العلاج؛ لأنها تجعلنا نتوهم بأن الشهادات هي شهاداتنا والكؤوس هي كؤوسنا والدروع دروعنا، وهي في الواقع ليست كذلك، فتكون الصدمة في نفوسنا كبيرة إن صارحناها بذلك، وفتحنا خزاناتنا لنجدها فارغة ليس فيها شيء سوى ذلك الفكر الفارغ الذي صنعناه لإقناع ذواتنا بأنها أصحاب الإنجازات وليس غيرها.

نكتشف مع مرور الزمن ودوران عقارب الساعة وتعاقب الليل والنهار بأن خزاناتنا متصحرة، وأرض جرداء قاحلة لا إبداع فيها ولا إنجازات ولا تحقيق طموحاتٍ ولا وصولٍ إلى أحلام، هي بعيدة كل البعد عن ذلك كله.

هذا الزيف الشعوري الذي يعيشه أصحاب الخزانات الفارغة هو زيف تغذيه حالة سلوكية يمارسونها فتعطيهم شعورًا غير واقعي بالأمان؛ ويؤدي ذلك إلى الحد من قدرتهم على التقدم والإبداع، إنها منطقة الراحة التي تجذبهم إليه؛ فيسعدون بالبقاء فيه والانتماء إليه والتشبث بأذياله والإمساك بقوة بأطرافه، ولو أنهم اخترقوا غلاف تلك المنطقة وغادروها فسينكشف لهم ذلك الزيف؛ مما يؤدي إلى تغيير حقيقي في فكرهم يكون بداية الأمل لهم للتحرر من قيود تلك المنطقة والولوج إلى بداية الطريق، طريق العمل والمثابرة؛ لتحقيق النجاح وملء خزاناتهم.

العالم من حولنا مليء ومتجدد ومتغير، وفيه الاتساع الذي يقبل الكل، ولكن ليس أي كل، بل من عندهم الرغبة والإرادة والطموح، ومن يترجمون ذلك كله على أرض الواقع حيث العمل والجد والاجتهاد؛ حتى يحققوا أهدافهم ويصلوا إلى غاياتهم، فتصبح خزاناتهم الشخصية هي الملأى بالشهادات والكؤوس والدروع.

لا ضرر علينا في أن نتابع الناجحين ونقرأ سيرتهم ونستفيد من تجاربهم ونشاهد خزاناتهم، ولكن الأذى كل الأذى إن توقفنا هنا، ولم نلتفت إلى خزاناتنا ونملأها كما فعل أولئك الناجحون.

تقول الروائية الإنجليزية ماري آن إيفانز والمعروفة باسمها المستعار جورج إليوت:

”النجاح سلم لا تستطيع تسلقه ويداك في جيبك“.