ما أسرار النجاح؟

في مذكراته التي طُبعت في كتاب، يذكر هنري فورد العرّاب التاريخي لصناعة السيارات بأن: ”سر النجاح يكمن في أن تفهم الرأي الآخر“، لا شك بأن هذا التوصيف الفلسفي للنجاح، قد يُرضي غرور وقناعة من يصنع نجاحه وتميزه بنفسه كما يظن طبعاً، ولكن المشكلة تكمن دائماً في الصورة/النظرة التي يحملها الآخر عن ذلك النجاح المفترض.

فكما اختلف السياسيون والاقتصاديون والمثقفون وغيرهم حول تعريف وتوصيف وتحديد النجاح، واصل هذا الاختلاف تردده وتباينه وارتباكه حول المقاييس والمعايير والأسس التي يمكن الاستدلال بها لقياس مستوى أو حقيقة النجاح، سواء حول الأشخاص أو الأشياء، وحول التفاصيل الصغيرة والكبيرة.

أثناء الإعداد لكتابة هذا المقال قفزت أمامي العديد من الأسئلة التي تستفزها الحيرة والارتباك حول الأسرار والمفاتيح التي يمكنها حل طلاسم النجاح أو فك شفرات التميز، والتي يبحث عنها البشر كل تلك القرون الطويلة:

كيف نحكم على نجاح ممثل سينمائي؟

وهل عدد مرات الطباعة لكتاب ما دليل على قيمته وأهميته ونجاحه؟

وهل الأرقام والإحصائيات والألقاب هي من تُحدد أفضلية أحد الرياضيين في لعبة ما؟

وما المعايير والضوابط والأسس التي يمكن لها أن تضع أحد مستخدمي مواقع وشبكات ومنصات التواصل الاجتماعي في دائرة الاهتمام والشهرة والتأثير؟

وكيف نحكم على نجاح مؤسسة ثقافية أو فنية أو إعلامية تُعنى بإنتاج ونشر وترويج المحتوى الثقافي أو الفني أو الإعلامي؟

وهل كثافة الظهور الفضائي يُمثّل مقياساً موضوعياً للنجاح؟

أسئلة كثيرة ومثيرة، تضعنا في ربكة وحيرة، الأمر الذي قد يجعل الحكم على نجاح شخص ما أو شيء ما، في غاية الصعوبة والقدرة.

وحتى نقترب قليلاً من هذه القضية المعقدة، نحتاج لمناقشة هادئة ومواجهة صريحة مع منهجين مختلفين في كيفية التعاطي والتعامل مع مقاييس ومعايير النجاح، منهج تقليدي وآخر حديث.

المنهج الأول والذي يتبناه فريق تقليدي يرى ضرورة، بل حتمية وجود مقاييس وأسس ثابتة ومحددة لضبط وقياس النجاح أو الفشل، وهو عادة يضم ذلك الحرس القديم من أساتذة الجامعات والمثقفين والاقتصاديين والمتخصصين في كل المستويات والمجالات.

أما المنهج الأآخر فهو الأكثر ميلاً للتحرر من القيود والضوابط التي تُكبل التحديث والتجريب، أو ما يُمكن أن يُطلق عليه بفريق ”الريموت كونترول“ والذي يترك الأمر بيد ذائقة ومزاج المتلقي، بعيداً عن سطوة وهيمنة الأسس والمعايير التي صنعها وفرضها طيف أو طبقة من المجتمع وليس كل المجتمع.

والكتابة عن أسرار النجاح، من أكثر الموضوعات التي شغلت الفكر والمزاج الإنساني، خاصة طبقة المفكرين والمثقفين، ورغم كل ذلك الاهتمام والتناول، إلا أن أسرار النجاح، سواء على صعيد البشر أو الحياة، ما زالت تتأرجح بين مؤيد ومعارض، وبين واثق ومتردد.

ويبقى السؤال الذي ما زال يبحث عن إجابات شافية: ما أسرار النجاح؟

كاتب مهتم بالشأن السياسي والاجتماعي والوطني