إجراءٌ جراحيٌّ لقلمٍ ينزف

الدكتور علي إبراهيم العاقول * مدونة د . علي العاقول

إجراءٌ جراحيٌّ لقلمٍ ينزف

ذات يومٍ ودونما أية مقدماتٍ توقف قلمي عن الكتابة ,جعلتُ أتأملّه عن قرب فلم أجد ما يفسر هذا التوقف المفاجئ ,أخذت أقّلبه بين يديّ و أهزّه لعلّه يستجيب لي ولكن دونما  نتيجة , سألته :ماذا أصابك يا صديقي؟ فلم يجبني ,قرّبتُ أذني نحوه فسمعت أنيناً كسر قلبي وأجرى دموعي ورأيت بعض الحبر المسال بجانبه فأصابتني الحيرة , أهو دمٌ أم دمعٌ , وبعجلٍ أحضرتُ علبته الأنيقة ووضعته فيها وذهبتُ به إلى أحد القرّاء ليقرأ عليه علّه يشفى من علته. وضعته أمام القارئ فسألني: مالمشكلة يابني؟

-إنه قلمي توقف فجأة عن الكتابة وسال منه بعض الحبر المصحوب بأنّاته.

ابتسم القارئ وقال :سيشفى بإذن الله , قلّبه بين يديه إلى أن وضع يده على رأس القلم وضغط بقوة فأصبتُ بصداعٍ شديد كاد يقتلني , ثم تلا عليه قوله تعالى : ن والقلم وما يسطرون , فإذا به يهتزّ في مكانه وكأنه تلبّس بالجن , خفتُ عليه كثيراً فشكرت الرجل وأخذت قلمي وغادرت.

ذهبت به إلى طبيب جرّاح حادق فسألني عن مشكلتي فأجبته وأخبرته بما جرى مع الشيخ القارئ , فصار يقلبه بين يديه ففتح جوفه وأخرج ريشة الحبر منه فوجدها جديدة ,أعادها لمكانها ثم وضع سماعته على القلم وأخذ يتأمل ويتمم إلى أن سمع صوتا وكأنها نبضات قلب ولكنه ضعيفٌ وبالكاد كان يُسمع, ارتسمت علامات التعجب على وجهه فوضع القلم في علبته وأغلقها.

قال لي وهو يبتسم:إنها المرة الأولى التي أرى فيها مثل هذه الحالة, ثم سكت قليلاً ثم سألني: هل أنت كاتبٌ؟

أجل ولكني توقفتُ منذ فترة طويلة لكثرة الإنشغالات.

وكنتَ تكتبُ عن ماذا؟

التكنولوجيا الإنسانية وبرمجيات الفكر الذاتية وعلاقتها بالتفكير الإيحائي  الإيجابي والسلبي ومقارنتها بمثيلاتها لدى الحيوان والجماد.

جميلٌ جدا , وإلى ماذا توصلت؟

توصلت إلى أن الكثير من الحيوانات والجماد تفوق الكثير من البشر في هذا المجال.

موضوعٌ يثير الإهتمام فعلاً , ما هو آخر كتابٍ قرأته؟

لا أذكر فقد مضى وقتٌ طويلٌ وأنا بعيدٌ عن القراءة والكتابة.

ابتسم مجددا وقال لي : سأريك شيئاً ,وضع القلم فوق الطاولة وتلا قوله تعالى :(إقرأ باسم ربك الذي خلق) فصار القلم يهتز مجددا وأصابتني نوبة الصداع مرة أخرى.


أخذ القلم ووجهه نحو عقلي فصار يهتز مجددا ولكن بشكل أكبر واشتد الصداع في رأسي إلى ان صرختُ بوجهه توقف , أعاد القلم وقال: أرأيت ذلك ؟

أجبته نعم رأيت ذلك , ولكن لماذا يحدث الإهتزاز عندما تقربه من رأسي؟

إنه التفكير الإيحائي لدى الجماد الذي تحدثت عنه في كتاباتك يا عزيزي ,قلمك ينزف ويستغيث وقد أعلنها ثورة ضد الجمود الفكري والتصحُّر الثقافي الذي تمر به منذ فترة , علاج قلمك يا عزيزي بين يديك أنت.

وكيف ذلك يا دكتور؟

إن لم تستطع الكتابة حالياً فخصص لك وقتاً للقراءة كل يوم ولو شيئاً يسيراً لتغذي نبات فكرك الذابل وتروي قلمك المتعطش للكتابة.

شكرا لك أيها الطبيب  وأستميحك العذر أيها القلم الوفيّ على ما سببته لك من أزمات جراء ابتعادي عنك لفترة طويلة.

عدت إلى البيت ووضعت قلمي أمامي وأحضرت بعضا من الكتب والأوراق أمامي ,قبّلته وقلت له : لا تقلق يا صديقي سنبدأ رحلة شيقة مع الكتابة بعنوان ثورة القلم الوفيّ , بسم الله وعلى بركة الله.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
مصطفى
[ أم الحمام - القطيف ]: 29 / 10 / 2008م - 4:46 م
قصة جميلة يادكتور .. رغم قصرها ومحاولة موفقة .. الله يوفقك
طبيب جراحة عامة