الخوف النفسي والاستقرار

من العوائق النفسية التي تواجه شخصية الإنسان هي الخوف الشديد وضعف حالة الاستقرار النفسي، فمثلا هناك من يخاف من ما سوف يحدث بالسنوات المقبلة أو المستقبل أو الحاضر، وبالتالي تتراكم لديه المشاكل النفسية فكل هذه الأمور بسبب التشبث بالتفكير السلبي، والانعزال بشكل سلبي عن التواصل مع الأطراف الأخرى، وعدم التخطيط للأهداف المنشودة التي تساعد الفرد على تقبل الواقع الذي يعيشه في الزمن الحاضر، بالإضافة لعدم الاستعداد لمواجهة الصعوبات التي ستحصل في الخطوات القادمة.

إن ضعف الاستقرار النفسي يجعل أطراف معينة تخاف بشكل زائد من الناس والمواقف مما يؤدي ذلك للانسحاب من الحياة الاجتماعية، والانسياق وراء المشاعر المحبطة، وعدم البحث عن علاقات جديدة، فمن يعاني من المخاوف الزائدة لا يختلط مع الناس أو لا يتواصل ويتناقش معهم بطريقة مباشرة، وبالتالي يرى الفرد أنه ضعيف الثقة بالنفس ولا يريد التخلص من حالة الانعزال السلبي التي يظهر من خلالها سلوكيات متطرفة ومواقف عدائية تجاه من يريد تحفيزه وتشجيعه على تخطي الصعوبات والضغوطات النفسية الشديدة التي يعاني منها.

الحياة مليئة بالصعوبات ولهذا تذكر أن كل إنسان لديه مشاكل وضغوطات نفسية قد تمنعه من تحقيق الأهداف المنشودة، والتواصل مع من حوله، والتكيف مع البيئات الاجتماعية التي يعيش فيها كل شخص مختلف من ناحية السلوكيات والأفكار والقيم والمبادئ، فإذا كنت تتجنب دائما مواجهة المشاكل والحديث مع الآخرين قد يكون ذلك بسبب التعرض لموقف اجتماعي صعب في الفترات السابقة والارتباك من الكلام الصادر عن الناس.

إن من أكثر اللحظات رعبا هي تلك التي نجد أن الناس تشغلها النظرات السوداوية والأفكار التحطيمية التي تصنع التعاسة والخوف من ما سوف يحدث في الغد، وبالتالي قد انهاروا تحت تأثير الضغط النفسي الناتج عن تراكم المشكلات بدلا من العمل على إيجاد طرق لتخفيف منها، إلا أن جزء من الناس لديهم القدرة على تجنب الإصابة بالخوف الزائد وذلك نتيجة الانشغال بالتواصل مع الآخرين بطريقة إيجابية.

- ومن أسباب الخوف الزائد وضعف حالة الاستقرار النفسي:

1 - التوقعات العالية، والمقصود بذلك هو أن هناك من يتوقع من قبل الآخرين الحب والاهتمام والاحترام دون أن يعمل على بناء الأشياء الإيجابية منذ بداية العلاقة التي دخل معهم فيها، من هذه الناحية نرى من يتحسس ويخاف بشكل شديد، حيث يبحث فقط عن سلبيات وعيوب الآخرين دون أن يرى ما لديهم من أمور إيجابية، وهذا التوقع طبعا يجعل الإنسان معرض للقلق وغير مقبول لدى الآخرين منذ الوهلة الأولى من لحظة اللقاء.

2 - الحساسية المفرطة تجاه كل كلمة أو حديث من قبل الآخرين، فعلى سبيل المثال أن الشخص الحساس يريد في الغالب أن يرى كل شيء مثالي وواضح، وهذا النوع من التفكير يجعله يتحسس من كل تصرف وأقوال تصدر عن الناس، وبالطبع مثل هذا النوع من التفكير يؤدي بالشخص للخوف من التعامل مع شخصيات الناس بل وعدم فهمها.

3 - ضعف الثقة في الكلام الذي يتحدث به الشخص أمام الأشخاص المحيطين به، فهناك من يتحدث بكلام إيجابي وجميل ولكن يشك في نفسه وأن الكلام الذي يقوله سلبي، وتكون هذه الحالة مقلقة للفرد بسبب التشكيك والخوف من كلام الناس، في نهاية المطاف أن الناس لا يحددون من نحن وما هي شخصياتنا، فإن أنت من لديك القدرة على تحديد شخصيتك وهويتك الحقيقية، وكيف تكسب احترام ومحبة الآخرين بطريقة فهمك لشخصياتهم وطريقة تعاملهم وكلامهم.

- نقاط فعالة للتغلب على الخوف وتقوية حالة الاستقرار النفسي:

1 - التعود على التحدث أمام مجموعة من الناس دون الشعور بالخوف والربكة الزائدة، فهذا يجعل الشخص يرى أن لديه ثقة قوية بالنفس وغير معرض لتلك الأفكار التي توحي له إنه لا يستطيع تكوين علاقات مبنية على الثقة والاحترام والحب لفترة طويلة من الزمن.

2 - عدم الاستماع لضجيج وأحاديث السلبيين والكلمات التي يقولوها بين فترة وأخرى، فالاستماع لأحاديث السلبيين يؤثر على حالة الاستقرار لدى الإنسان، ويجعل الإنسان معرض للخوف من التحدث أمام مجموعة من الناس، ولكن في جانب آخر إذا نطق الشخص بكلام إيجابي ومحفز لا توجد مشكلة في ذلك.

3 - عدم الاستجابة للاستفزاز الذي يكون من قبل هذه الشخصيات التي تدمر اليوم الجميل الذي يعيش فيه الإنسان مع تلك اللحظات الجميلة في العمر الخاص به، فلا شيء يستحق أن تغضب من أجله أو تجعله يعكر مزاجك فيخرب المخططات والأهداف التي تسعى لتحقيقها بين يوم وآخر، من هذه النقطة تعلم أن تكون هادئا أمام الشخصيات الاستفزازية.

- ونذكر لكم قصة لأحد النماذج التي نجحت في التغلب على الخوف النفسي الشديد:

يحكى أن كان هناك شخص وسيم تعرض لموقف مؤلم وصادم في فترة معينة في الحياة التي كان يعيش فيها بكل احباط وخوف نفسي زائد، لدرجة وصل ذلك الإنسان إلى التفكير في الانتحار أو الموت، بل والإحساس باليأس والاكتئاب الشديد؛ نتيجة الاستسلام لكل عقبة تم التعرض لها.

وكل هذا الألم الذي عاش معه الإنسان الوسيم؛ جعله ذلك يفقد طعم ولذة الحياة بمختلف تفاصيلها، وبعد فترة من الزمن أعتزل التواصل مع الناس وأصبح يجلس في الغرفة الخاصة به وحيدا وخائفا من مواجهة تلك الأحداث والشخصيات التي غالبا ما تجعل الفرد متعكر المزاج، بسبب ما يتعرض له من أذى وتنمر بين يوم وآخر.

وبعد فترة من الزمن واجه وتعايش الإنسان الوسيم مع المرض النفسي الذي كان يعمل على قتل كل لحظة جميلة وهدف يريد أن يحققه في هذه الحياة القصيرة والمليئة أحيانا بالخيبات، جدير بالذكر أن الفرد كل ما تعرض لخيبة أصبح يضحك بينه وبين نفسه فيقول في داخله: ”سأضحك فأنا على قيد الحياة وسوف أجعل هذه العقبات وكأنها أمر عادي وغير مخيف“.

بعد مرور سنة أو سنتين وما فوق ذلك أصبح هذا الإنسان الوسيم يمارس هواية الكتابة؛ فيقوم بنشر مواضيع متنوعة في الصفحة الشخصية بالفيسبوك أو الإنستغرام أو مواقع محددة أو صحف معينة بالإنترنت، إلى أن وصل ذلك الشخص لتحقيق الإنجازات والأهداف الكبيرة والكثيرة.

ومن المدهش والمستغرب منه في نفس اللحظة أن هذا الشخص الوسيم أصبح مشروعه من أكثر المشاريع الكتابية الناجحة بل وصار يحصل على شهادات شكر وتقدير وأيضا تكريمات متعددة، وكذلك يحصد مراكز مرموقة في صحف متنوعة تتمحور محتوياتها حول الثقافة والإبداع والموهبة والفن، وغيرها من محتويات أخرى تلامس تقريبا المشاكل والواقع في الحياة الاجتماعية.

نتعلم من هذه القصة الجميلة أن الحياة قصيرة لا تستحق أن يضيع فيها الإنسان عواطفه ومشاعره الإيجابية في العصبية والإحباط والاستماع لسلبيين الذين يقتلون كل يوم جميل يريد أن يخلق فيه الفرد الراحة والاستقرار النفسي، وزيادة على ذلك الاستمتاع بالحياة.