حَاجَةٌ مَاسَّةٌ

حَالَةُ الزِّئْبَقِيَّةِ هِيَ سَيِّدَةُ الْموَقْفِ فِي أَغْلَبِ مَشَاكِلِنَا فَمَا بَيْنَ الْإِقْبَالِ وَالْإِدْبَارِ نَرَى الْإِدْبَارَ هُوَ الصِّفَةُ السَّائِدَةُ مِمَّا يَعْنِى أَنَّنَا نَظَلُّ عَالِقِينَ فِي تِلْكَ الْمُشْكِلَاتِ حَيْثُ إِنَّنَا نُفَضِّلُ الْهُرُوبَ كَحَلٍّ مُؤَقَّتٍ عَلَى الْمُوَاجَهَةِ بِحُجَّةٍ لَا نُرِيدُ وَجَعَ رَأْسٍ وَإِنَّنَا مُسَالِمِون بِالطَّبْعِ هَذِهِ هِيَ أُمُّ الْمَشَاكِلُ الَّتِي تُسَبِّبُ الْكَثِيرَ مِنْ التَّرَاكُمَاتِ..

لَوْ أَنَّنَا نَخِيطُ كُلَّ فَتْقٍ وَشَقَّ أَوَّلَ بِأَوَّلٍ لَمَا اتَّسَعَ الْفَتْقُ وَ بَانَتْ عَوْارَتُنَا وَظَهَرَتْ لِلْمَلَأِ عُيُوبُنَا، فَعَلَاقَتنا نَسِيجَ نَخِيطُهُ بِسُلُوكِيَّاتِنَا فَالْبَعْضُ يَجْعَلُهُ احْرَامًا يَقِيهِ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْمَحْظُورَاتِ وَسَاتِرًا عَمَّا خَفِيَ عَنِ الْأَدَمِيِّينَ وَالْبَعْضُ يَتَجَرَّدُ مِنْ مَخِيطِهِ فَتَتَكَشَّفُ عُيُوبُهُ أَمَامَ الْأَعْيُنِ. بِالنَّتَيجِةِ كُلَّمَا حَاوَلْنَا رُقَعَ الْفَتْقِ انْثَلَمَتْ رُتُوقٌ أُخْرَى.

الْحُلُولُ الْمُؤَقَّتُهُ تَخْدِيرٌ مَوْضِعِيٌّ لِلْمُشْكِلَاتِ تَوَهَّمْنَا بِالتَّشَافِي، أَرَادَا انْ يَخْتَصِرُ مِشْوَارَهُ الدِّرَاسِيَّ لِيَتَخَطَّى مَرْحَلَةً هِيَ بِمَثَابَةِ خَرَسَانَةٍ تَأْسِيسِيَّةٍ تَرْتَكِزُ عَلَيْهَا قَوَاعِدُ بِنَائِيَّةٌ فِي شَخْصِيَّتِهِ وَمَسَارِهُ الْعِلْمِيِّ وَالْأَكَادِيمِيِّ فَحَرَّرَ لِنَفْسَةِ شَهَادَةٍ لِتِلْكَ الْمَرْحَلَةِ بِطَرِيقَةِ الْقَرْصَنَةِ تُقَدَّمُ لِلْوَظِيفَةِ فِي إِحْدَى الْمُؤَسَّسَاتِ، قُبِلَ فِيهَا وَعَمِلَ بِكُلِّ جَدٍّ وَنَشَاطٍ الْتَحَقَ بِالْعَدِيدِ مِنْ الدَّوْرَاتِ التَّدْرِيبِيَّةِ لِإِتْقَانِ اللُّغَةِ الْإِنْجِلِيزِيَّةِ، وَالْوِرَشِ التَّدْرِيبِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ فِي مَجَالِ الْوَظِيفَةِ مِمَّا أَهَّلَهُ لِتَفَوُّقَ عَلَى الْكَثِيرِ مِنْ زُمَلَائِهِ فِي مَجَالِ عَمَلِهِ وَنَالَ اعْجَابَ مَرْؤُوسِيهِ نَظَرًا لِمَا يَتَمَتَّعُ بِهِ مِنَ اللَّبَاقَةِ وَحُسْنِ الْخَلُقِ وَالذَّكَاءِ وَالْفِطْنَةِ، فِي الْمُقَابِلِ هَذَا أَثَارَ حَافِظَةَ بَعْضٍ مِنْ زُمَلَائِهِ ضَعِيفَيْ النُّفُوسِ وَاشْتِعَالِ نَارِ الْغَيْرَةِ وَالْحَسَدِ وَمُحَاوَلَةِ الْحَفْرِ لِلتَّخَلُّصِ مِنْهُ، تَأْتِي الضَّرْبَةُ الْقَاضِيَةُ مِنْ أَقْرَبِ الِأصْدِقَاءِ وَمَوْضِعِ السِّرِّ الَّذِي وَشَى بِهِ وَكَشَفَ ذَاكَ السِّرَّ، لِيَرَى نَفْسَهُ يَتَلَقَّى خِطَابَ فَصْلٍ مِنْ وَظِيفَتِهِ وَهُوَ فِي أَوْجِ تَأَلُّقِهِ وَنَجَاحِهِ، صَفْعَةً قَوِيَّةً لَمْ يَسْتَوْعِبْهَا ادْخَلَتْهُ فِي عُزْلَةٍ وَحَالَةٍ مِنْ الِاكْتِئَابِ وَكَأَنَّ الدُّنْيَا أَدَارَتْ وَجْهَهَا عَنْهُ، مُحَاوَلَاتٌ

اسْتِجْدَاءُ الْحَيَاةِ لِإِعْطَاهِ فُرْصَةٍ وَطُرُقِ أَبْوَابِ الرِّزْقِ بَاتَتْ غَيْرَ مُجْدِيَةٍ مَاانْفَكَّتْ يَدُ الْغَدرِ تَتَرَبَّصُ بِهِ أَيْنَ مَا وَلَّى وَجْهَهُ وَتُحَوَّلُ لَيْلُهُ نَهَارٌ وَنَهَارُهُ لَيْلَ لِايَغَادر بَابِ بَيْتِهِ، فِي حَالَةِ انْتِظَارٍ لِاتِّصَالٍ مِنْ أَيٍّ مِنْ الشَّرِكَاتِ الَّتِي تُقَدَّمُ لِلْعَمَلِ لَدَيْهَا، مَرَّتْ عُدَّتْ سَنَوَاتٍ وَهُوَ فِي حَالَةِ الِانْتِظَارِ إِلَى أَنْ هَدَأَتْ هِمَّتُهُ وَاسْتَسْلَمَتْ قُوَاهُ وَشَخَصَتْ لِلنَّوْمِ عُيُونُهُ، غُلْطَةُ الشَّاطِرِ بِأَلِفٍ، فَاسْتِغْلَالُ الذَّكَاءِ بِطَرِيقَةٍ بَلْهَاءَ يُدَمِّرُ صَاحِبَهُ وَيَقْبِرُهُ حَيًّا.

وَمَا أَكْثَرُ قِصَصِ السُّقُوطِ الْحَيِّ النَّاتِجِ مِنْ تَأْثِيرِ الْجَذْبِ نَحْوَ الرَّغَبَاتِ وَالْأَهْوَاءِ السَّاذَجَةِ فِي وَاقِعِ

انْحَسَرَ فِيهِ وَهَجُ الصِّدْقِ وَكَأَنَّهُ أَصْبَحَ مَحْصُورٌ فِي زَوَايَا مُعَيَّنَةٍ مِنْ الْحَيَاةِ، فَالذَّوَبَانُ فِي الْكَذِبِ ضبَابِيَّةٌ تَنْعَدِمُ عِنْدَهَا الرُّؤْيَةُ الصَّحِيحَةُ لِلْأُمُورِ ”إِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارَ وَلَكِنْ تُعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ“.

أَعْلَيْنَا أَنْ نُكَذِّبَ أَوْ نَتَّبِعَ أَسَالِيبَ مُلَتوِّيَةً أَوْ أَنْ نُجْرِيَ مُنَاوَرَاتٍ لِلْخِدَاعِ وَالتَّمْوِيهِ؟

أَيَحِقُّ لَنَا أَنْ نُكَذِّبَ؟ وَهَلْ هُنَاكَ كَذِبٌ أَبْيَضُ وَكَذِبٌ أَسْوَدُ؟ وَهَلْ الْكَذِبُ حَاجَةٌ مَاسَّةٌ لِلْحُصُولِ عَلَى مَا نُرِيدُ وَنَتَمَنَّى؟

مَقُولَةُ تَحْمِلُ مُغَالَطَةً كَبِيرَةً جِدًّا ”انْنِي لَا أَكْذِبُ وَلَكِنِّي اتَجَمَلُ“ تُبَريرِ الْعُذرَ هُوَ أَقْبَحُ مِنْ ذَنْبٍ.