كيف نفهم الإمام الحسين (ع)

 

 

من أكبر المهازل التي ألمت بالعقل البشري في جنبته العلمية هي مهزلة الابتعاد عن شرعنة العلم وفلسفته والسير بعيداً عن حائط العقل والركون إلى الهوى في استصدار الأحكام ومحاولة تخطيء الآخر مع سبق الإصرار والترصد اعتماداً على أن الإنسان كبشر هو مدار الحق الذي تدور على رحاه التصورات فلا مندوحة أن جزءاً من تنزيه الله سبحانه وتعالى يكمن في تنزيه مندرجات مبلغي أوامره وهم الأنبياء والأوصياء والأئمة الذين أوعز الله تبارك وتعالى لهم ذلك وأسبغ عليهم من بركاته ما يحفظ بيضة الدين من نوازع وصفات وملكات سواء كانت هذه الملكات مما لا اجتهاد فيه قبالة النص الإلهي والنبوي أو من الاعتبارات التأويلية التي فهمها الفقهاء ونقصد بهم المتشرعة الحائزين على أدوات التشريع والفهم كل بحسب فهمه لا استمزاج  هواه ومدارات مصالحة ما درت معايشه  .

      ولعل  من أبلغ تلك الاعتبارات ما يكمن في طريقة تعاطي المسلمين على اختلاف مشاربهم مع نهضة الإمام الحسين وما يتعلق بها من شبهات لا سيما شبهة الخروج على الحاكم المسمى بالحاكم الشرعي أو الصراع بين الصحابة وما رافق ذلك من قدسية النظر إلى الصحابة وصعوبة استصدار أحكام تقريرية قاطعة في موضوع الامام الحسين عليه السلام قبالة الصحابه الذين يترضى عليهم كيفما اتفق ، خاصة مع ما نراه من كم هائل من تشويش ذهني أو شحن مذهبي أو تزوير في الأحاديث ولهذا فإن الوصول لأي قرار قطعي و حر مرهون بوفرة الأجواء العلمية الهادئة لإجالة النظر إلى التاريخ بكل موضوعية بناء على الاعتبارات الشخصية أو الانتماء لثقافة السلطة لا إلى سلطة الثقافة.

      لا شك هنا أن الأخذ بالمقدمات طريق لاستخلاص النتائج ولا أظن أن أحداً يشكل في التعاطي مع هذه الحقيقة ولكن الشيطان كما يقولون يكمن في التفاصيل فكل كما يقال يجر النار إلى قرصه لا قرصه إلى النار وهنا يكمن الخلل فهل نحن نبحث عن الدليل أم ان الدليل هو الذي يبحث عن فهمنا .

مشكلتنا كمسلمين في تعاطينا مع قضية الامام الحسين أننا نضع أنفسنا موضع القاضي تجاه احداث التاريخ ونضع الامام الحسين عليه السلام في كفه واحده كمتهم قبالة يزيد ثم نأتي لنقرر من المخطىء ومن المصيب وكان حري بنا أن نضع قبل ذلك من هو الحسين ومن هو يزيد ثم لا يكن من أمرنا علينا غمه ولا لبس ولا شبهه لاننا لم نستطع في الأصل أن نموضع الامور في مواضعها فكيف تتموضع الأحكام في أذهاننا ونحن نساوي في تاريخنا كتاريخ للسلاطين لا الشعوب والعقائد بين الجلاد والضحية ، بين الظالم والمظلوم ، بين الامام والحاكم ، بين النص الشرعي والاجتهاد الفردي والقرآن يصدح بالنذاره ليقول " قل ان كان آباؤكم وابناؤكم واخوانكم وازواجكم وعشيرتكم واموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها احب اليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين "

مشكلتنا اننا لا نجعل الدين الحسين هو القيمة العليا إنما نقدم اشكالتنا على اساس أنها الاصل وأن الدين مثله مثل أي شيء قابل للنقد والتجريح لدرجة أوصلت العقل الديني لسيناء التشويش بدل أن توصله للاستقرار الذهني

فهمنا للأمام الحسين عليه السلام يحتاج لبوصلة تستطيع قراءة الجاذبيات الالهية لا إلى يد عابثة تشير إلينا خلاف ما تسكنهه طبائع الاشياء وإلى منطق وعقل يبحث له في الحسين عن الدليل على الحق  لا إلى دليل نبحث في الحسين له عن أمثله فهو من الأدلاء على الحق بل هو عدل القرآن لا بل هو القرآن الناطق ذاته وهنا تكمن المشكلة في عقول من يعبد الله على حرف بشكل سطحي لدرجة لا يستطيع مقاربة الحقائق بميزان رواد العدالة وهم الأدلاء على الحق (وجعلنا الشمس عليه دليلا) ، مشكلتنا أننا نبحث عن الشمس في الشواخص وننسى أصل الموضوع ومنبع الدين وهو حق اليقين التي لا تأفل فتضطر معتنقيها للبحث لهم عن دين آخر يجدون فيه ضالتهم وهل تستطيع البشرية أن تجد لها مثل دين الحسين وإيمان الحسين وتضحية الحسين (نبئوني بعلم إن كنتم صادقين) .