العريفي الذي يكره الآخر

في خطبة الجمعة التي لا تكون ارتجالية، بل معدة سلفا، وأمام حشد من المصلين الذين أعاروه سمعهم منصتين، تجرأ الشيخ محمد العريفي على التطاول على شخص المرجع الديني الكبير سماحة السيد السيستاني، ونعته بألفاظ بذيئة، حيث وصفه - دون أدنى ورع - بالزنديق الفاجر.
هكذا أطلق العريفي شتيمته أو فتواه أو قنبلته الموقوتة، لا فرق، على عالم جليل أفنى عمره في دراسة الدين وتدريسه وفق مذهب أهل البيت عليهم السلام؛لم يلتفت إلى الدنيا وزخارفها وزبرجها، فلم يقتنِ سيارة فخمة ولم يملك قصرا مشيدا.
هكذا وبكل بساطة يحكم العريفي على طائفة من المسلمين عبر تكفيره لأحد أبرز رموزها الذي كان له الدور الكبير في تجنيب العراق حربا طائفية قذرة أراد التكفيريون إيقادها، ولكنه – بحكمته – أصر على إطفائها مؤكدا في أحلك الظروف على نعت أبناء الطائفة السنية الكريمة بأنهم أنفسنا، وليسو إخواننا فقط.
الشيخ العريفي لم يخرج علينا من تورا بورا أو وزيرستان، وإنما هو شخص يعيش بيننا له معجبون ومريدون وله حضور إعلامي في العديد من القنوات الفضائية، وبالتالي فإن ما يطلقه من أحكام يلقى انتشارا واسعا وقبولا لدى قطاع لا بأس به ممن يأخذ كلامه أخذ المسلمات، ولا يكلف نفسه عناء البحث والنقاش.
والعريفي ليس بدعا من المشايخ التكفيريين، وإنما يقع ضمن نسق فكري بنيوي يرى نفسه صاحب الحق الحصري في تفسير التوحيد، معتبرا ما عدا فهمه باطلا، وكل ممارسة تتنافى مع تفسيره للتوحيد شركا؛ هو باختصار فكر إقصائي إلغائي لا يقبل الآخر أيا كان ما دام هو وحده صاحب الامتياز الخاص لتفسير الدين. فقد سبق للعريفي في أبريل 2009 م، أن تطاول على الطائفة الصوفية ممثلة بصوفية حضرموت في حلقة بعنوان ( التوحيد )  من برنامجه التلفزيوني ( ضع بصمتك )، مما اضطر قناة اقرأ لبث اعتذار رسمي على شاشتها موجه لأئمة وعلماء حضرموت عن الإساءة التي صدرت بحقهم.
وبالطبع لم يتوقف العريفي ولن يتوقف عن مسلسله التكفيري ما دامت أبواب المساجد والقنوات الفضائية مشرعة أمامه، وفي ظل غياب قانون يجرم الإساءة لأتباع المذاهب الأخرى، على الرغم من مرور أربع سنوات على مؤتمر قمة مكة الإسلامي الذي وضع خطة عشرية لتعزيز أواصر التضامن الإسلامي وتوحيد كلمة المسلمين وإظهار الصورة الحقيقية للإسلام وقيمه السمحة، حسب تعبير البيان الختامي، والذي أكد على مواجهة التطرف الديني والتعصب المذهبي، وعدم تكفير المذاهب الإسلامية، والتأكيد على الحوار بين المذاهب الإسلامية، وتعزيز الاعتدال والوسطية والتسامح، ودحض الفتاوى التي تخرج المسلمين عن قواعد الدين وثوابته وما استقر من مذاهبه.
لا أدري لماذا تبقى القرارات دائما في الأدراج، ولا ترى الخطط النور على أرض الواقع؟! هل لأننا نجيد الصياغة على الورق فقط، بينما يجيد غيرنا تحويل الرؤى والأحلام إلى واقع ملموس.
إن المسؤولية العظمى في إيقاف هذه الفتاوى المشينة تقع على الجهات الرسمية، حيث إن التعرض لرموز شريحة من أبناء الوطن لا يصب في مصلحة أمن الوطن والوحدة الوطنية، بل يعرضهما للخطر، كما لا يتفق بحال من الأحوال مع الحوار الإسلامي، فضلا عن حوار الأديان.
وتقع المسؤولية أيضا على عاتق العلماء والمثقفين والكتاب – أيا كان انتماؤهم - الذين يؤمنون بحقوق الإنسان واحترام خياراته، فليس صحيحا أن يكون الرد على العريفي مقتصرا على الشيعة فقط، بل يجب أن يشارك فيه كل من يدعو إلى الحرية والتعددية في ظل الهوية الوطنية الجامعة، بل كل حر نابذ للتعصب والانغلاق، فلم يعد مقبولا اليوم أن يقف هؤلاء موقف اللامبالاة من مثل هذه الإساءات، ولا يتحركون لإطفاء نار الفتنة إلا إذا اقتربت منهم.
إن الاعتذار ورد الاعتبار هو أقل ما يمكن أن نطالب به، وأعتقد أن الجميع يتذكر جيدا الاعتذار الذي قدمه الأستاذ تركي السديري رئيس تحرير جريدة الرياض بعد المقالة الشهيرة للصحافية أميمة الجلاهمة في مارس 2002م عن عيد البوريم ( الفصح ) اليهودي، والذي ذكرت فيه أن اليهود يستخدمون لفطيرهم في هذا العيد الدم البشري خاصة دماء الأطفال المسلمين والمسيحيين، الأمر أثار ردود فعل غاضبة في الأوساط الغربية واليهودية، حيث احتجت وزارة الخارجية الأمريكية رسميا على المقال الذي وصفه ريتشارد باوتشر المتحدث باسم الوزارة بأنه لا أساس له من الصحة وأنه يلهب المشاعر.
وقد شجب الأستاذ السديري المقال واعتبره خطأ مائة بالمائة، مؤكدا احترامه لجميع الأديان، كما أوقف الكاتبة عن الكتابة في جريدته. وعلى المستوى الرسمي، كتب السفير السعودي في لندن آنذاك الدكتور غازي القصيبي رسالة لمجلس الممثلين اليهود، الذي يعتبر أهم مجلس تمثيلي لليهود في بريطانيا رسالة يشرح فيها ظروف ظهور المقال.
التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 11
1
نادر الزين
31 / 12 / 2009م - 4:54 م
أخي الفاضل الأستاذ : بدر الشبيب
من المؤسف حقاً ان يفقد د. العريفي ، القدرة على الإلمام بـ (علم الرجال) ويتناول بسوء من يجهله ، او يتجاهله على أقرب تقدير وهو بهذا التصرف قد عبّر عن حقيقة ما في نفسه وليته يلتحق بمدرسة الأستاذ : جمال خاشقجي ، وتوماس فريدمان ، لتلقي دروساً خصوصية في المكانة التي يحظى بها السيد السيستاني (دام ظله) فهما رشحاه لنيل جائزة نوبل للسلام كلٌ من زاويته التي يراها ، الأول لدوره في دعم إجراء أول إنتخابات في العراق عام 2005 ،أما الثاني وأقصد ( الخاشقجي ) فلدوره المؤثر في منع وقوع حرب أهلية في العراق ، بل ورشحه أيضاً لأعرق جائزة في المملكة وهي جائزة داعية التضامن الإسلامي، المغفور له الملك فيصل رحمه الله لخدمة الإسلام . أسفي عليك يا عريفي لجهلك المركّب . دام قلمك الحق .
2
فائق المرهون
[ السعودية - ام الحمام ]: 31 / 12 / 2009م - 5:37 م
الأستاذ بدر / وفقه الله
كم من المؤسف أن يكون بيننا في عالمنا العربي والإسلامي العشرات مثل العريفي على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم , العشرات ممن يهوون الشتيمة والفتنة ليس آخرها العريفي هذا , أو أحد رجال الدين الشيعة الذين ينتمي لأسرة علمية مرجعية تتناقل له مواقع اليوتيوب سبابا وسقوطا مدويا في اللفظ والمعنى مثيرة للشفقة والأسى في آن .
أستاذ بدر _ كم نحتاج لمؤسسات تشريعية قوية تقوم بوضع ضوابط غير منتقاة وغير مسيسة خدمة للرأي الحر البعيد عن الشحن والإفتراء والإعتداء على كرامات الناس , وتخضع المتجاوزين للمساءلة والمحاسبة العلنية والحيادية لمحاولة نقل المجتمع إلى صورة أكثر تحضرا ورقيا .
شكرا لقلمك الحر , و دامت عطاياك .
3
المستقل
[ ام الحمام - القطيف ]: 31 / 12 / 2009م - 9:01 م
الأستاذ الفاضل: أبو أحمد
كل إناء بالذي فيه ينضح لا غرابه من هذا السلوك فهولاء خريجي مدرسة بنو أميه فأجدادهم أمروا بسب الإمام علي بن أبي طالب أربعين عاما . سيدي العزيز يصدر هذا التصرف في فترة زمنيه الكل ينادي بضرورة الاهتمام بوسائل الاتصال مع الآخرين إلا أن نسبة السب و الشتم ترتفع نسبتها لدى هؤلاء بسبب عدم قدرتهم على مخاطبة الآخرين بالمنطق و الحجة فهذه وسيلة التعبير الوحيدة التي تتناسب مع منطقهم . لقد حاول القوم جاهدين على استثارة مراجعنا العظام من خلال ممارساتهم في العراق عبر استخدام المفخخات و قتل الأبرياء و تدمير مراقد أهل البيت إلا أن حكمة و وعي مراجعنا و على رأسهم أية الله السيد السيستاني أفشلت مخططاتهم في إثارة فتنة طائفيه لهذا وصل جنونهم إلى سب الإمام السيستاني بهذه الطريقة لعدم قدرتهم تحقيق ما كانوا يصبوا إليه . سيدي العزيز رغم ما صدر من الشيخ العريفي لا يغير من نظرتنا تجاه إخوتنا أهل السنه و نقول لهم هم أنفسنا كما كان يخاطبهم إمامنا السيستاني و لكن لابد من محاسبة من صدرت منه الاساءه و كلنا أمل في حكومتنا الموقرة أذا يهمها أن تحافظ على هذا النسيج الوطني أن تحاسب بحسم و بكل قوه من أساء إلى مقام الإمام السيستاني و استثار حفيظة الطائفة الشيعة في هذا البلد و في العالم الإسلامي .
و لك مني ألف تحية و احترام لهذا الحس الرائع و لا غرابة فأنت الفارس المقدام والغيور على هذا المذهب .
4
عبدالله
[ أم الحمام - القطيف ]: 1 / 1 / 2010م - 12:18 ص
أقترح تغير لقب العريفي من الشيخ الدكتور الى السوبر ستار. فلقب سوبر ستار أليق بشخص يبحث عن الشهرة مثل شيخ البطيخ العريفي
5
بدر الشبيب
[ أم الحمام ]: 1 / 1 / 2010م - 5:25 ص
الأخ العزيز الأستاذ النادر الزين:
العريفي وأمثاله لا يكلفون نفسهم عناء قراءة الآخر من خلال مواقفه ونتاجاته رغم سهولة ذلك في هذا العصر لأنهم لا يريدون لمواقفهم أن تتغير إذ من مصلحتهم بقاء الحال على ما هو عليه.
العريفي هو ممثل لفكر يعيش خارج العصر وإن حاول أن يبدو في ظاهره عصريا..
من المؤسف حقا أن يستغل المرء قدراته التأثيرية في جمهوره ليعبئهم ضد الآخر ويزرع فيهم حب الكراهية.
أشكرك أيها النادر الحاضر بفكرك ووعيك.
6
بدر الشبيب
[ أم الحمام ]: 1 / 1 / 2010م - 5:44 ص
الأخ العزيز الأستاذ فائق المرهون أعزه الله

أتفق معك في وجود العشرات من أمثال العريفي على اختلاف مشاربهم، وأعتقد أن موقفنا ينبغي أن يكون واحدا منهم أيا كانت مذاهبهم وانتماءاتهم حتى لا نكيل بمكيالين.

اقتراحك الجميل المدروسة صياغته بكل دقة وعناية هو غاية ما نصبو إليه في هذا المجال.
أشكرك على هذا التواصل المتميز.
7
بدر الشبيب
[ أم الحمام ]: 1 / 1 / 2010م - 6:04 ص
الأخ العزيز الأستاذ المستقل:
عندما يعجز العقل يتصرف البدن..
وهكذا كل من تعييه الحجة ولا يسعفه المنطق يطلق العنان للسانه وربما يده أيضا ليقذف ويشتم ويضرب..
أحيي فيك الروح المسؤولة المصممة على التواصل مع أنفسنا من السنة لأن ذلك هو الرد الشافي على أمثال العريفي الذين لا يريدون لنا إلا التنابذ والتناحر.
دامت تعليقاتك ودمت فاعلا متفاعلا..
8
بدر الشبيب
[ أم الحمام ]: 1 / 1 / 2010م - 6:10 ص
الأخ العزيز عبد الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يقول الإمام علي (ع) لأصحابه: ولكن لو وصفتم أفعالهم وذكرتم حالهم لكان أصوب في القول وأبلغ في العذر.

تحياتي لك متمنيا استمرار تواصلك.
9
حسين الدمام
[ السعودية - الدمام ]: 1 / 1 / 2010م - 5:22 م
الأخ أبو أحمد
الموضوع رائع جدا وشامل ونبشت ما يختلج في نفوس الأحرار المقهورين الذين تتطاول عليهم حناجر كاذبة كلما أعطيت لهم الاشارة لاشعال الفتنة الطائفية--اذا هؤلاء ليسو سوى مشرع فتنةضمن مباركة الدولة له
اذالماذا نطالب بالاعتذار بل كما قلت برد الاعتبار وتتحمله الدولة في ايقاف هذا المعتوه وأشكاله ويكون ذلك بمشاركة العلماء والمثقفون كلجنة دائمة تتصدى دائما لمن يريد أن يجرح مشاعرنا
وأن نترك عنا المجاملات التي أساءت لنا ولم نحصل على حق قيد أنملة
10
بدر الشبيب
[ أم الحمام ]: 2 / 1 / 2010م - 8:40 ص
الأخ العزيز الأستاذ حسين:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكرك على مرورك الكريم على مقالي.
أؤيد اقتراحك حول اللجنة الدائمة، وأضيف أن هذه اللجنة يجب أن تكون ذات فعل استباقي وليست ذات ردود أفعال فقط.
بمعنى أن يكون دورها التعريف الصحيح بنا والتواصل الدائم مع الآخر.
وتقبل خالص تحياتي
11
حسين الدمام
[ السعودية - الدمام ]: 5 / 1 / 2010م - 7:12 م
ألأخ
أبو أحمد
السلام عليكم ورمةالله وبركاته
الاقراح باللجنة الدائمة كما تفضلت أن تكون ذات فعل استباقي ولست ردة فعل
والفعل الاستباقي هو المطالبة بحقوقنا واحترامنا كطائفه واحترام رموزنا وعدم مظايقتنا في معتقداتنا وذلك بالجلوس على طاولة واحده مع من يهمه الامر

اما التعريف بنا فأعتقد انهم يعرفوننا حق المعرفه وليسوا بجهله وبمعرفتهم لنا حق المعرفة اساؤا لنا واستمروا على هذا مع العلم تم التواصل معهم واستضيف بعضهم وانت تعلم يا ابو احمد
ولم ينفع ذلك معهم


تحياتي لك
شاعر وأديب