يوم الغدير امتداد للرسالة «2»

يناديهم يوم الغدير نبيهم بخم وأسمع بالرسول مناديا

يقول فمن مولاكم ووليكم فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

الهمك مولانا وانت ولينا ولا تجدن منا لامرك عاصيا

فقال له قم يا علي فانني رضيتك من بعدي اماما وهاديا

في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة سنة عشرة للهجرة، جمع النبي الاكرم المسلمين عند رجوعه من الحج في مكان يسمّى غدير خم، وخطبهم خطبة مفصّلة، وفي آخر خطبته قال: «ألستم تعلمون أنّي أَولى بكلّ مؤمن من نفسه؟» قالوا: بلى، فأخذ بيد علي فقال: «اللّهمّ مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه» فلقيه عمر بعد ذلك فقال: هنيئاً لك يابن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة.

إن معنى هذه الحادثةِ في اليومِ الثامن عشر من ذي الحجةِ في السنةِ الهجريةِ العاشرةِ أن الإسلامَ يدركُ أهميةَ مسألةِ إدارةِ المجتمع، فلم يُهملْها أو يتعاملْ معها ببرود، فالنبيُّ ليس مخلّداً وأزلياً، والمجتمعاتُ بحاجةٍ إلى من يهديْها، والإسلامُ قد تكفّلِ بهذا الهادي، وهم المعصومون الذين يتوالَونَ جيلاً بعد جيلٍ لتبقى حجةُ اللهِ حيّةً فيما بعد في أوساطِ المجتمع، فلا وجودَ للدنيا والبشريةِ دون حجةٍ قائمة، وهذا هو المغزى من الغدير وثمةَ بُعدٌ مهمٌ يكمنُ في عيدِ الغديرِ ويمثّلُ أهميةً بالغةً بالنسبة لنا في العصر الحاضر، وهو أنه يجبُ علينا أن نعلمَ جميعاً أن من الضروري أن نتخذَ من سيماءِ أميرِ المؤمنين وملامحِ المجتمعِ الذي سعى إلى إقامته أنموذجاً يُحتذى، فهذا هو نموذجُ الأسوةُ الذي لا ينبغي الانحرافُ عنه في مسيرتنا.

مسؤوليتنا تجاه الغدير:

لكي نعرف طبيعة وحجم المسؤولية التي يلقيها الغدير على عاتقنا، يجب أولاً أن نسأل أنفسنا، إلى أي مدى تعرّف العالم المعاصر على الغدير وسبر أسراره العميقة؟ وإذا كان يجهل الغدير فمن الذي يتحمل مسؤولية هذا الجهل؟ وما طبيعة المسؤولية التي نضطلع بها في الغدير أمام الله عز وجل وتجاه المجتمعات الإسلامية؟

في الحقيقة، لا يحمل الجيل الحالي عموماً تصوراً واضحاً وصحيحاً عن الغدير، وتقع مسؤولية ذلك على عاتقنا نحن في الدرجة الأولى، فلو أدينا واجبنا في شرح واقعة الغدير للناس لكان الوضع أفضل مما نحن عليه الآن، كان علينا أن نوضح للعالم بأن الغدير يعني تحقيق الرفاهية وتوسيع نطاقها، وبلوغ التقدم والرقي وعمران المجتمعات الإنسانية.

قبل الخوض في غمار الحديث والبحث في تفاصيل الموضوع، لابدّ من تسليط الضوء - ولو بصورة مقتضبة - على مفردات العنوان وما انطوى عليه من مضامين.

فأقول: أما وصفه بيوم الغدير الأغر؛ فذلك لأنه أشهر من أن يذكر، واعرف من أن ينكر، حيث سارت حادثته بين الناس مسير الشمس في الأقطار، فهو اليوم الذي امتن الله عز وجل فيه على الناس وأغدق عليهم بأفضل النعم وأعظمها وهي نعمة الولاية والامامة الكبرى والخلافة العظمى التي قلدها رسول الله «صلى الله عليه واله» أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ممتثلا بذلك أمر ربه في قوله عز وجل.

في آية التبليغ في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ» «المائدة آية

إن السنن الالهية التي أرسلت الى البشر هي قوانين إلهية لا يمكن مخالفتها وزحزحتها من مكانها الذي رتبها الله عز وجل فيه. فإن ذلك ينتج كوارث بتغيير مسارها. وهذا ما حصل بعد وفاة الرسول الاعظم النبي محمد وما حصل في بيعة الغدير يوم 18/ ذي الحجة في غدير خم وفيها أمر الله نبيه أن يجعل علياً خليفة من بعده وإماماً للناس. لقد أنزل الله عزوجل رسالته وعقيدته الالهية الى بني الانسان كضرورة من ضرورات بيان وتوضيح هذه العقيدة التي أنزلها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم على النبي ليكون الاقرب والاعلم بالعقيدة والافهم لأحكامها. وهو المرشد الى الدعوة لها وكقائد للدولة ومركز الدائرة ومرجعها في كافة الشؤون الدينية والدنيوية.

فأراد ربك من خلال هذه الاية أن يعلموا مجتمعين أن الولي والخليفة من بعد النبي هو علي فأمر الله نبيه ان يعلمهم بذلك في حجة الوداع فلا حجة بعدها. حتى لا ننسى وكان اللقاء قرب غدير ماء وملتقى القبائل والحجاج في مكان يقال له «خمّ» فلا يوجد في الجزيرة العربية مكان مميز مثله وهو إعلان لحدث كبير أمام العدد الهائل بالنسبة لسكان الجزيرة آنذاك ويثير آلاف التساؤلات والاحتمالات.

منذ ذلك اليوم انغرست في قلوب شيعة علي شجرة الولاية، وصار الغدير سقياً مقدساً لها في كل العصور.. وتحوَلت تلك القلوب في صحراء قريش المقفرة، إلى حدائق غنّاء مفعمة بثمار العقيدة وأزهار المحبة، وصار صاحب يوم الغدير، وبيعة يوم الغدير، وخطبة النبي يوم الغدير، حجة الثابتين على عهدهم، وأنشودة الأوفياء لنبيهم في كل جيل

ولا حجة لمن أنكر ولايتك يا أمير المؤمنين، ويا سيد الوصيين. فمن يطلع على الدلائل والحجج والبراهين التي جاءت مع بيعة الغدير يخرس صوته ويتلعثم لسانه ويزول شكه ويزداد يقينه بأن الامر فيك إلهي ولا جدال في ذلك.

المناسبة هي أيضاً تخليد لذلك البلاغ الذي أراد له الرسول محمد بن عبدالله صل الله عليه وآله وسلم. هذه

أن يبقى في أمته عبر الاجيال تعرف به الأمة جيلاً بعد جيل لأن بلاغات الرسول صل لله عليه وآله وسلم وتوجيهاته التي اطلقها عامةً في أوساط امته هي للأمة كلها عبر التاريخ وخصوصا ما يتعلق بالآسس والثوابت والقضايا المهمة للمسلمين.

فهذه المناسبة هي تخليد، وهي إحياء، وهي ايضاً حفاظاً على ذلك النص المهم الذي أقرت به كل المدراس الفكرية والثقافية الدينية في أوساط المسلمين فنحن نحافظ على نص نبوي مهم يبقى متوارثا بين الوساط الامة الاسلامية.

وأخيرا ان الحديث يحمل دلالة واضحة وصريحة على إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السَّلام» باعتباره المرشح الوحيد لتسلّم زمام الأمة بعد النبي «صلَّى الله عليه وآله» ولكونه الولي الشرعي المنصوب من قبل رب العالمين بوساطة سيد الأنبياء والمرسلين «صلَّى الله عليه وآله. وهو الامر الذي عده الله عَزّ وجَلَّ تكميلاً للرسالة وتتميماً للنعمة»

فهنيأ لكم عيدكم الأكبر.. وأثبتنا الله وإياكم على ولاية امير المؤمنين علي بن ابي طالب ”“ بحق محمد وآله وكل عام وانتم بخير.

علي حسن آل ثاني كاتب في الشبكات المواقع والصحف المحلية والخليجية