التقوى وما تصنع!

التقوى مفردة اعتنى بها القرآن الكريم اعتناء عظيما، بالحث الدائم للتلبس بها، وبذكر آثارها العظيمة التي يكسب من خلالها الإنسان نفسَه، ومن ثم يربح سعادته، حتى وإن تحمل في سبيله المصاعب والشدائد، فإنه سينظر لها بمنظار مختلف، ويحسبها هيّنة لأنها بعين الله وفي طريق رضاه.

والتقوى ملكة نفسانية تبعث على التورع عن محارم الله، وتدعو لملازمة طريق الحق جل شأنه في السر والعلن وفي مختلف الظروف، وهي تتفاوت في درجاتها عند أصحابها، حتى تبلغ ذروتها في أولئك الذين تأهلوا بحق لأن يقولوا متوجهين لربهم: «وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً».

ويكفي في بيان درجة أهمية التقوى أن جعلها الله تعالى معيارا يوزن به الناس عنده، فيتفاضلون وينالون من الكرامة لديه بمقدار ما فيهم منها: «يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى‏ وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ».

إن من يتأمل في آيات التقوى لا بد أن يندهش لحديث القرآن عن نتائجها الرفيعة التي لا ينبغي أن يفوّتها عاقل على نفسه بإعراضه عن سبيلها، أو بضعف اهتمامه بشأنها. ونحن هنا ذاكرون عشرا من تلك النتائج والآثار تشوّقا لها وتشويقا لكل من عشق السمو وسعى في دربه.

الأولى: عدم الوقوع في شَرَك الشيطان وحبائله: «إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ».

الثانية: الانتفاع بالقرآن العزيز وهديه السديد: «ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ» «وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ».

الثالثة: حيازة الفرقان الإلهي والمغفرة وسعة الفضل من الرب الكريم: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً». 

الرابعة: تيسير الأمور بطرق لم تكن في الحسبان: «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ» «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً».

الخامسة: الحظوة بقبول العمل: «إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ». 

السادسة: كسب معيّة الله له وتأييده: «وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ».

السابعة: البشارة في الدارين: «الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ. لَهُمُ الْبُشْرى‏ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ».

الثامنة: النجاة من النار وعذابها: «ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا».

التاسعة: الفوز بالدار الآخرة ونعيمها الدائم: «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ. فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ. كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ. يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ. لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى‏ وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ. فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» والآيات في هذا الباب كثيرة جدا، جمعها قوله تعالى: «وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ».

العاشرة: نيل محبة الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ». وهل من هدية أعظم من هذه؟!

هذه بعض نتائج التحلي بالتقوى، والحديث عن كلها طويل يمكن أن يُجعل في كتاب مستقل. ولنعم ما قال الإمام علي إذ وصف التقوى بقوله: التقى رئيس الأخلاق. فهل نزهد في هذا الرئيس الذي يأخذنا إلى كل خير؟!

شاعر وأديب